للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْقِرَانَ: هُوَ أَشَقُّ مِنَ التَّمَتُّعِ، وَعُمْرَتُهُ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا. وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَصَرُّفِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ فِعْلَ النَّبِيِّ ، وَمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ مَا تَمَنَّاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ. زَادَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ بَلَدِهِ سَفَرًا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ لَهُ. قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَشْبَهُهَا بِمُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَمَنْ قَالَ: الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ، فَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَ سَفَرَيْنِ لِلنُّسُكَيْنِ أَكْثَرُ مَشَقَّةً، فَيَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا، وَلِتُجْزِئُ عَنْهُ عُمْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا اخْتِلَافٍ.

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى نَمَطٍ آخَرَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا كَالطَّحَاوِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا، فَقِيلَ: أَهَلَّ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَتحْلِلْ مِنْهَا إِلَى أَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْقَائِلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي فِي أَبْوَابِ الْهَدْيِ بلَفْظِ: فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَهَذَا لَا يُنَافِي إِنْكَارَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَسٍ كَوْنَهُ نَقَلَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنَ الْمَغَازِي، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إِنْكَارِهِ كَوْنَهُ نَقَلَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، لَكِنَّ جَزْمَهُ بِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَقِيلَ: أَهَلَّ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ فَيَجْعَلُوهُ عُمْرَةً وَفَسَخَ مَعَهُمْ، وَمَنَعَهُ مِنَ التَّحَلُّلِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ، فَاسْتَمَرَّ مُعْتَمِرًا إِلَى أَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ حَتَّى تَحَلَّلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، لَكِنَّ الْجَمْعَ الْأَوَّلَ أَوْلَى. وَقِيلَ: إِنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِمِنًى، وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقِرَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ نَفَى أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا فِي أَوَّلِ الْحَالِ، وَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، فَيَجْتَمِعُ الْقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَحْلِلْ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى؛ أَيْ لَمْ تَحِلَّ، وَإِظْهَارُ التَّضْعِيفِ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَبَّدْتُ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ؛ أَيْ شَعْرَ رَأْسِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ التَّلْبِيدِ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ شَيْءٌ لِيَلْتَصِقَ بِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ.

الحديث السادس:

قَوْلُهُ: (أَبُو جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ.

قَوْلُهُ: (تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَعَنْ جَابِرٍ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى التَّمَتُّعَ إِلَّا لِلْمُحْصَرِ، وَوَافَقَهُ عَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا اخْتِصَاصَ بذَلِكَ لِلْحَصْرِ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرَنِي)؛ أَيْ أَنْ أَسْتَمِرَّ عَلَى عُمْرَتِي، وَلِأَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَنِي بِهَا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَنِمْتُ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي.

قَوْلُهُ: (وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ) فِي رِوَايَةِ النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْهَدْيِ: مُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هَذِهِ عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَبْرُورِ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ) هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ. وَيَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ؛ أَيْ وَافَقَتْ سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ، أَوْ عَلَى الِاخْتِصَاصِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ: فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ، وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ لِي)؛ أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ (أَقِمْ عِنْدِي وَأَجْعَلْ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي)؛ أَيْ نَصِيبًا (قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ) يَعْنِي لِأَبِي جَمْرَةَ (وَلِمَ؟)؛ أَيِ أَسْتَفْهِمُهُ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ (فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا)؛ أَيْ لِأَجْلِ