الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِكْرَامُ مَنْ أَخْبَرَ الْمَرْءَ بِمَا يَسُرُّهُ، وَفَرَحُ الْعَالِمِ بِمُوَافَقَتِهِ الْحَقَّ، وَالِاسْتِئْنَاسُ بِالرُّؤْيَا لِمُوَافَقَةِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَعَرْضُ الرُّؤْيَا عَلَى الْعَالِمِ، وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَ الْمُسِرَّةِ، وَالْعَمَلُ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِيُعْمَلَ بِالرَّاجِحِ مِنْهُ الْمُوَافِقِ لِلدَّلِيلِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ) هُوَ الْأَكْبَرُ، وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ نَافِعٍ.
قَوْلُهُ: (حَجُّكَ مَكِّيًّا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: حَجَّتُكَ مَكِّيَّةٌ؛ يَعْنِي قَلِيلَةُ الثَّوَابِ لِقِلَّةِ مَشَقَّتِهَا. وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: مَعْنَاهُ أَنَّكَ تُنْشِئُ حَجَّكَ مِنْ مَكَّةَ كَمَا يُنْشِئُ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْهَا، فَيَفُوتُكَ فَضْلُ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ.
قَوْلُهُ: (فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ)؛ أَيِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
قَوْلُهُ: (يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ؛ جَمْعُ بَدَنَةٍ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ. . . إِلَخْ)؛ أَيِ اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ.
قَوْلُهُ: (وَقَصَّرُوا) إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُهِلُّونَ بَعْدَ قَلِيلٍ بِالْحَجِّ، فَأَخَّرَ الْحَلْقَ لِأَنَّ بَيْنَ دُخُولِهِمْ وَبَيْنَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً)؛ أَيِ اجْعَلُوا الْحَجَّةَ الْمُفْرَدَةَ الَّتِي أَهْلَلْتُمْ بِهَا عُمْرَةً تَتَحَلَّلُوا مِنْهَا فَتَصِيرُوا مُتَمَتِّعِينَ، فَأَطْلَقَ عَلَى الْعُمْرَةِ مُتْعَةً مَجَازًا وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نُحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً. وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِرِ، عَنْ جَابِرٍ فِي الْخَبَرِ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ. . . إِلَخْ) فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ﵇ مِنْ تَطْيِيبِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ وَتَلَطُّفِهِ بِهِمْ وَحِلْمِهِ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ) بِكَسْرِ حَاءِ يَحِلُّ؛ أَيْ شَيْءٌ حَرَامٌ، وَالْمَعْنَى: لَا يَحِلُّ مِنِّي مَا حَرُمَ عَلَيَّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأُ: يُحَلُّ؛ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَا يُحِلُّ طُولُ الْمُكْثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنِّي شَيْئًا حَرَامًا حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ؛ أَيْ إِذَا نَحَرَ يَوْمَ مِنًى. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنِ اعْتَمَرَ فَسَاقَ هَدْيًا لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ حَفْصَةَ نَحْوَهُ، وَيَأْتِي حَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا بِلَفْظِ: مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَهْدَى فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ. وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَلَا يُحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ: (أَبُو شِهَابٍ لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ إِلَّا هَذَا)؛ أَيْ لَمْ يَرْوِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ. قَالَ مُغَلْطَايْ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ كَانَ هَكَذَا لَا يَجْعَلُ حَدِيثَهُ أَصْلًا مِنْ أَصوْلِ الْعِلْمِ. قُلْتُ: إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ مَنْ يُصَحَّحُ حَدِيثُهُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تُوبِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَلَامُ مُغَلْطَايْ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ أَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عَطَاءٍ، فَإِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِسِيَاقِهِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، وَفِي هَذَا الطَّرَفِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِصِفَةِ التَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ جَوَابِ الْمُفْتِي لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ حُكْمٍ خَاصٍّ بِأَنْ يَذْكُرَ لَهُ قِصَّةً مُسْنَدَةً مَرْفُوعَةً إِلَى النَّبِيِّ ﷺ تَشْتَمِلُ عَلَى جَوَابِ سُؤَالِهِ وَيَكُونُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّائِدَةِ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةُ خَيْرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ ذَلِكَ لَائِقًا بِحَالِ السَّائِلِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ اخْتِلَافِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فِي التَّمَتُّعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ ثَانِي أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ. فَاشْتَمَلَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ عَلَى مَا تُرْجِمَ بِهِ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَسْخُ وَالْإِفْرَادُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ