فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سابُورَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَرَجْنَا إِلَى مِنًى فَأَقَمْنَا بِهَا ثَلَاثًا نَنْتَظِرُ الْعَذَابَ، وَارْتَقَى ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ هُوَ بِنَفْسِهِ فَهَدَمَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ: ثُمَّ عَزَلَ مَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يُعَادَ فِي الْبَيْتِ فَبَنَوْا بِهِ، فَنَظَرُوا إِلَى مَا كَانَ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا أَنْ يَبْنِيَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَيُدْفَنَ، وَاتَّبَعُوا قَوَاعِدَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ نَحْوِ الْحِجْرِ فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا حَتَّى شَقَّ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ أَدْرَكُوهَا بَعْدَمَا أَمْعَنُوا، فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَشَفُوا لَهُ عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ صَخْرٌ أَمْثَالُ الْخَلْفِ مِنَ الْإِبِلِ، فأنْفَضوا لَهُ، أَيْ حَرَّكُوا تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِالْعُتُلِّ فَنَفَضَتْ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ، وَرَأَوْهُ بُنْيَانًا مَرْبُوطًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، ثُمَّ أُحْضِرَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِوُجُوهِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ فَنَزَلُوا حَتَّى شَاهَدُوا مَا شَاهَدُوهُ، وَرَأَوْا بُنْيَانًا مُتَّصِلًا، فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَزَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي طُولِهَا عَشْرَةَ أَذْرُعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ طُولُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَلَعَلَّ رَاوِيهِ جَبَرَ الْكَسْرَ، وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ تِسْعَةُ أَذْرُعٍ، فَلَعَلَّ عَطَاءً جَبَرَ الْكَسْرَ أَيْضًا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَابِطٍ، عَنْ زَيْدٍ: أَنَّهُمْ كَشَفُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ فَإِذَا الْحِجْرُ مِثْلُ الْخِلْفَةِ، وَالْحِجَارَةُ مُشَبَّكَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ جَمَعُوا عَلَى حَفْرِهِ، فَحَفَرُوا قَامَةً وَنِصْفًا، فَهَجَمُوا عَلَى حِجَارَةٍ لَهَا عُرُوقٌ تَتَّصِلُ بِزَرْدِ عِرْقِ الْمَرْوَةِ، فَضَرَبُوهُ، فَارْتَجَّتْ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ فَكَبَّرَ النَّاسُ، فَبَنَى عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ مَرْثَدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: فَكَشَفَ عَنْ رَبَضٍ فِي الْحِجْرِ آخِذٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَتَرَكَهُ مَكْشُوفًا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُ ذَلِكَ الرَّبْضَ مِثْلَ خَلْفِ الْإِبِلِ: وَجْهٌ حَجَرٌ وَوَجْهٌ حَجَرَانِ، وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الْعَتَلَةَ فَيَضْرِبُ بِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ فَيَهْتَزُّ الرُّكْنُ الْآخَرُ. قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ الَّتِي فِي الْعِلْمِ: فَفَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَنَقَضَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ فِي الْأَرْضِ.
وَنَحْوُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ الْكَعْبَةَ بَعْدَمَا بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَ النَّاسُ لَا يَزْدَحِمُونَ فِيهَا، يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ وَيَخْرُجُونَ مِنْ آخَرَ.
(فَصْلٌ) لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ ﵀ قِصَّةَ تَغْيِيرِ الْحَجَّاجِ لِمَا صَنَعَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ، قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَهُ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ بَابَهُ الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ. وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: فَبَادَرَ - يَعْنِي الْحَجَّاجَ - فَهَدَمَهَا وَبَنَى شِقَّهَا الَّذِي يَلِي الْحِجْرَ، وَرَفَعَ بَابَهَا، وَسَدَّ الْبَابَ الْغَرْبِيَّ. قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ: فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَدِمَ عَلَى إِذْنِهِ لِلْحَجَّاجِ فِي هَدْمِهَا، وَلُعِنَ الْحَجَّاجُ. وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: فَرُدَّ الَّذِي كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَدْخَلَ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَدِدْنَا أَنَّا تَرَكْنَا أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا تَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ نَدَمِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ذَلِكَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا، فَقَالَ الْحَارِثُ: بَلَى أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا. زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ: وَكَانَ الْحَارِثُ مُصَدَّقًا لَا يُكَذَّبُ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute