للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمَا تَحَمَّلَ. وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ قَالَ: بَيْنَمَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهَ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ بِهَذَا، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ لَتَرَكْتُهُ عَلَى بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

(تَنْبِيهٌ): جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي جَمَعَتْهَا هَذِهِ الْقِصَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ جَعَلَ الْبَابَ بِالْأَرْضِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي زَادَهُ عَلَى سَمْتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ جُمْلَةَ مَا غَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ الْجِدَارُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ وَالْبَابُ الْمَسْدُودُ الَّذِي فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ عَنْ يَمِينِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَمَا تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّ الْمُشَاهَدَ الْآنَ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ بَابٌ مَسْدُودٌ يُقَابِلُ الْبَابَ الْأَصْلِيَّ، وَهُوَ فِي الِارْتِفَاعِ مِثْلُهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَاصِقًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ لَكِنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا غَيَّرَهُ رَفَعَهُ، وَرَفَعَ الْبَابَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَيْضًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَدَّ الْبَابَ ال مُجَدَّدَ، لَكِنْ لَمْ أَرَ النَّقْلَ بِذَلِكَ صَرِيحًا. وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ أَنَّهُ شَاهَدَ هَذَا الْبَابَ الْمَسْدُودَ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا هُوَ مُقَابِلٌ بَابَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ بِقَدْرِهِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَإِذَا فِي أَعْلَاهُ كَلَالِيبُ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي الْبَابِ الْمَوْجُودِ سَوَاءٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَحَزَرْتُ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ؛ أَيْ قَدَّرْتُ.

قَوْلُهُ: (سِتَّةَ أَذْرُعٍ، أَوْ نَحْوَهَا) قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ، وَأَنَّهَا أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ مِنْهَا مُمْكِنٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ وَالطَّعْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةِ لِأَجْلِ الِاضْطِرَابِ كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ، لِأَنَّ شَرْطَ الِاضْطِرَابِ أَنْ تَتَسَاوَى الْوُجُوهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّرْجِيحُ أَوِ الْجَمْعُ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ هُنَا، فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا هِيَ قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ وَالْمُقَيَّدَةَ مُتَوَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا قَصَّرُوا عَنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ الْحَجَّاجَ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ قَطُّ صَرِيحَةٌ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَيْتِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لَهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ قَدْرُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ مُطْلَقَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَإِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ سَائِغٌ مَجَازًا، وَإِنَّمَا قَالَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِمَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ، وَعُمْدَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى إِيجَابِ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ

الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ طَافَ مِنْ دَاخِلِ الْحِجْرِ وَكَانَ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ، وَهَذَا مُتَعَقَّبٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ إِيجَابِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ لَقِيَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ رَأَى إِيجَابَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ احْتِيَاطًا، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ، فَلَعَلَّ النَّبِيَّ وَمَنْ بَعْدَهُ فَعَلُوهُ اسْتِحْبَابًا لِلرَّاحَةِ مِنْ تَسَوُّرِ الْحِجْرِ لَا سِيَّمَا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَطُوفُونَ جَمِيعًا، فَلَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمَرْأَةِ التَّكَشُّفُ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا حَسْمَ هَذِهِ الْمَادَّةَ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُهَلَّبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ حَائِطَ الْحِجْرِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَاهُ وَوَسَّعَهُ قَطْعًا لِلشَّكِّ، وَأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِلَفْظِ: لَمْ