للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا جُدُرُهُ قَصِيرَةٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. انْتَهَى. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ لَا فِي الْحِجْرِ، فَدَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى قَائِلِهِ مِنْ هُنَا.

وَلَمْ يَزَلِ الْحِجْرُ مَوْجُودًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، نَعَمْ فِي الْحُكْمِ بِفَسَادِ طَوَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِجْرَ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ نَظَرٌ، وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ، كَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ، وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَرْضَ مَا بَيْنَ الْمِيزَابِ وَمُنْتَهَى الْحِجْرِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ، مِنْهَا عَرْضُ جِدَارِ الْحِجْرِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ، وَفِي بَطْنِ الْحِجْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَعَلَى هَذَا فَنِصْفُ الْحِجْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ فَلَا يَفْسُدُ طَوَافُ مَنْ طَافَ دُونَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُهَلَّبِ: إِنَّ الْفَضَاءَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا، وَإِنَّمَا الْبَيْتُ الْبُنْيَانُ، لِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبَيْتُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنَ الطَّوَافِ مَا شُرِعَ لِلْخَلِيلِ بِالِاتِّفَاقِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَطُوفَ حَيْثُ طَافَ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ حَرَمِ الْبَيْتِ، لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِفَوَاتِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، فَحُرْمَةُ الْبُقْعَةِ ثَابِتَةٌ وَلَوْ فُقِدَ الْجِدَارُ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْعُرْفِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ فَنُقِلَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِالْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا وَلَا حُرْمَةَ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ الْمَنْقُولَةِ إِلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ أَصْلٌ لِلْجِدَارِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ.

وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ - غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ - مَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ: تَرْكُ بَعْضِ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ فِي عِبَارَتِهِ الْمُسْتَحَبُّ، وَفِيهِ اجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَرَّعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ، وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَتَأَلُّفُ قُلُوبِهُمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ. وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا أُمِنَ وُقُوعُهَا عَادَ اسْتِحْبَابُ عَمَلِ الْمَصْلَحَةِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ، وَحِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ النَّبِيِّ .

(تَكْمِيلٌ): حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، عَنِ الرَّشِيدِ أَوِ الْمَهْدِيِّ أَوِ الْمَنْصُورِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَ الْكَعْبَةَ عَلَى مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَنَاشَدَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَصِيرَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ، فَتَرَكَهُ. قُلْتُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ خَشْيَةُ جَدِّهِمُ الْأَعْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، فَأَشَارَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ الْكَعْبَةَ وَيُجَدِّدَ بِنَاءَهَا بِأَنْ يَرُمَّ مَا وَهَى مِنْهَا، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَقَالَ لَهُ: لَا آمَنُ أَنْ يَجِيءَ مِنْ بَعْدِكَ أَمِيرٌ فَيُغَيِّرَ الَّذِي صَنَعْتَ. أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ هَمَّ بِنَقْضِ مَا فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّوَارِيخِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ وَلَا مَنْ دُونَهُمْ غَيَّرَ مِنَ الْكَعْبَةِ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى الْآنَ إِلَّا فِي الْمِيزَابِ وَالْبَابِ وَعَتَبَتِهِ، وَكَذَا وَقَعَ التَّرْمِيمُ فِي جِدَارِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَفِي سَقْفِهَا وَفِي سُلَّمِ سَطْحِهَا، وَجُدِّدَ فِيهَا الرُّخَامُ، فَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَوَقَعَ فِي جِدَارِهَا الشَّامِيِّ تَرْمِيمٌ فِي شُهُورِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَقَدْ تَرَادَفَتِ الْأَخْبَارُ الْآنَ فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَنَّ جِهَةَ الْمِيزَابَ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ، فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ سُلْطَانُ الْإِسْلَامِ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يُسَهِّلَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَجْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتَأَمَّلْتُ الْمَكَانَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فِي تِلْكَ الْبَشَاعَةِ، وَقَدْ رُمِّمَ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْحَرَمِ فِي أَثْنَاءِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى أَنْ نَقَضَ سَقْفَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ