أَحَادِيثَ، وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثًا، فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّتِهِ. وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَوَّلُهُ: لَمَّا نَزَلَ الْحَجَّاجُ، بِابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لِابْنِ عُمَرَ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ. وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَّةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَقَعْ لَهُ عَلَى شَرْطِهِ التَّصْرِيحُ بِمَحَلِّ الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ، فَاسْتَنْبَطَ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرَّحَ بِأَنَّ حِلَاقَهُ وَقَعَ فِي حَجَّتِهِ، وَالثَّالِثَ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حَلَقَ وَبَعْضَهُمْ قَصَّرَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: حَلَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ حَدِيثِ جُوَيْرِيَّةَ سَوَاءٌ، وَزَادَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ. فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَسَنَذْكُرُ الْبَحْثَ فِيهِ مَعَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(تَنْبِيهٌ): أَفَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ مُتَّصِلًا بِالْمَتْنِ الْمَذْكُورِ قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي حَلَقَهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ، وَبَيَّنَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ قَائِلَ وَزَعَمُوا ابْنُ جُرَيْجٍ الرَّاوِي لَهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ - مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ -. قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى الَّذِي تَوَلَّى السُّؤَالَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُقَصِّرِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قُلْ وَالْمُقَصِّرِينَ، أَوْ قُلْ وَارْحَمِ الْمُقَصِّرِينَ، وَهُوَ يُسَمَّى الْعَطْفُ التَّلْقِينِيُّ، وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: وَالْمُقَصِّرِينَ إِعْطَاءُ الْمَعْطُوفِ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا السُّكُوتُ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ) كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ إِعَادَةُ الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ مَرَّتَيْنِ، وَعَطَفَ الْمُقَصِّرِينَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَانْفَرَدَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ دُونَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِإِعَادَةِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي: التَّقَصِّي وَأَغْفَلَهُ فِي: التَّمْهِيدِ بَلْ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَى مَالِكٍ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ رَاجَعْتُ أَصْلَ سَمَاعِي مِنْ مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فَوَجَدْتُهُ كَمَا قَالَ فِي التَّقَصِّي.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ، وَالشَّكُّ فِيهِ مِنَ اللَّيْثِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ) بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ الْعُمَرِيُّ، وَرِوَايَتُهُ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِلَفْظِ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ. فَذَكَرَ مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ سَوَاءً، وَزَادَ: قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ. وَبَيَانُ أَنَّ كَوْنَهَا فِي الرَّابِعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُقَصِّرِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ صَرِيحًا، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ لِلْمُقَصِّرِينَ فِي الرَّابِعَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ: قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ فَعَلَى مَا شَرَحْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُقَصِّرِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى الدَّعْوَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ أَرَادَ بِالثَّالِثَةِ مَسْأَلَةَ السَّائِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ﷺ لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَمَا ثَبَتَ، وَلَوْ لَمْ يَدْعُ لَهُمْ بَعْدَ ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مَا سَأَلُوهُ ذَلِكَ. وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ - حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا - ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ. وَرِوَايَةُ مَنْ جَزَمَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ شَكَّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute