هُوَ الرَّقَّامُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: الْأَوَّلُ أَرْجَحُ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ، وَكَانَ الْقَابِسِيُّ يَشُكُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ فِيهِ فَيُهْمِلُ ضَبْطَهُ، فَيَقُولُ: عَبَّاسٌ أَوْ عَيَّاشٌ. قُلْتُ: لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ، لِلْعَبَّاسِ - بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ - ابْنَ الْوَلِيدِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ نَسَبَهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا النَّرْسِيُّ، أَحَدُهَا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَالْآخَرُ فِي الْمَغَازِي، وَالثَّالِثُ فِي الْفِتَنِ، ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا قَالَ وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، وَأَمَّا الَّذِي بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَأَكْثَرَ عَنْهُ وَفِي الْغَالِبِ لَا يَنْسُبُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَالَهَا ثَلَاثًا) أَيْ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاهِدَةٌ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ حَفِظَ الزِّيَادَةَ.
(تَنْبِيهٌ): لَمْ أَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْهُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ هَذِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ، فَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ عَنْ عُمَارَةَ وَمِنْ أَفْرَادِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَتَابَعَ أَبَا زُرْعَةَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وَسَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَرِوَايَةُ أَبِي زُرْعَةَ أَتَمُّ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ وَحَذْفٌ، وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْتَغْفِرْ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً. وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَصَّرَ آخَرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ.
الْحَدِيثَ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَاضِي وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَتَجَوَّزَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ لِذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَوْ وَقَعَ لَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ شَهِدَهَا وَلَمْ يَشْهَدِ الْحُدَيْبِيَةَ، وَلَمْ يَسُقِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي صَدْرِ الْبَابِ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا يُومِئُ إِلَيْهِ صَنِيعَ الْبُخَارِيِّ، وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ الصَّحَابَةَ حَلَقُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَّا عُثْمَانَ، وَأَبَا قَتَادَةَ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْهُ وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَكَانَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ: عَنْ حَبَشِيٍّ وَكَانَ
مِمَّنْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَوَهْمٌ فَقَدْ وَرَدَ تَعْيِينُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي قُرَّةَ فِي السُّنَنِ، وَمِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ فِي: الْأَوْسَطِ وَمِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي، وَوَرَدَ تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ الثَّقَفِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ عُمَارَةَ عِنْدَ الْحَارِثِ، فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَصَحُّ إِسْنَادًا، وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ عَقِبَ أَحَادِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute