لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ فَانْسُكْ نَسِيكَةً، وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمْ الْحَدِيثَ.
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بِإِسْنَادِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: فَأَمَّا الصَّوْمُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الصِّيَامُ، وَالصِّيَامُ الْمُطْلَقُ فِي الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بِالثَّلَاثِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ: جَعَلَ الشَّارِعُ هُنَا صَوْمَ يَوْمٍ مُعَادَلًا بِصَاعٍ، وَفِي الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَدْلُ مُدٍّ، وَكَذَا فِي الظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ وَثُلُثٍ، وَفِي ذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ وَالتَّقْدِيرَاتِ. وَقَسِيمُ قَوْلِهِ: فَأَمَّا الصَّوْمُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَقَدْ أَفْرَدَ ذَلِكَ بِتَرْجَمَةٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الموطآت.
قَوْلُهُ: (مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) صَرَّحَ سَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِسَمَاعِهِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبِأَنَّ كَعْبًا حَدَّثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ هَذِهِ: كَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ بِإِسْقَاطِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَيْنَ مُجَاهِدٍ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. قُلْتُ: وَلِمَالِكٍ فِيهِ إِسْنَادَانِ آخَرَانِ فِي الْمُوَطَّأِ أَحَدُهُمَا عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَفِي سِيَاقِهِ مَا لَيْسَ فِي سِيَاقِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ أَيْضًا عَلَى الْعَكْسِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَاهُ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَمْ يَذْكُرُوا مُجَاهِدًا، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ مَالِكًا وَهَمَ فِيهِ.
وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ، وَابْنَ وَهْبٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَتَابَعَهُمَا جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ، مِنْهُمْ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَثْبَتُوا مُجَاهِدًا بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ. وَطَرِيقُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُشَارُ إِلَيْهَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَطَرِيقُ ابْنُ وَهْبٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَطَرِيقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَسَائِرُهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ. وَالْإِسْنَادُ الثَّالِثُ لِمَالِكٍ فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ قَالَ: حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا لَمْ يَرْوِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرُهُ، وَلَا رَوَاهَا عَنْهُ إِلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ مَعْقِلٍ. قَالَ: وَهِيَ سُنَّةٌ أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهَا عُلَمَاءَنَا كُلَّهُمْ، حَتَّى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، فَلَمْ يُبَيِّنُوا كَمْ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ. قُلْتُ: فِيمَا أَطْلَقَهُ ابْنُ صَالِحٍ نَظَرٌ، فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ كَعْبٍ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَالطَّبَرَانِيِّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَابْنُ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَفَضَالَةُ الْأَنْصَارِيُّ عَمَّنْ لَا يَتَّهِمُ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ أَيْضًا.
وَرَوَاهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - غَيْرَ الْمَذْكُورِينَ - أَبُو وَائِلٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَيَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَطَاءٌ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ.
وَجَاءَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالشَّعْبِيِّ أَيْضًا عَنْ كَعْبٍ وَرِوَايَتُهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ، لَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً؛ وَهُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ كَعْبٍ هَذَا فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي وَالطِّبِّ وَكَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، مَدَارُ الْجَمِيعِ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ مَعْقِلٍ، فَيُقَيَّدُ إِطْلَاقُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ بِالصِّحَّةِ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَقَالٍ إِلَّا طَرِيقَ أَبِي وَائِلٍ، وَسَأَذْكُرُ مَا فِي هَذِهِ الطُّرُقِ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّكَ) فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْكَرِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute