أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَآذَاهُ الْقَمْلُ وَفِي رِوَايَةِ سَيْفٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَكَ. الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ أَهَلَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ (١) أَنَّهُ لَقِيَهُ وَهُوَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْمَغَازِي: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى رَأْسِي، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْكَفَّارَاتِ: فَقَالَ: ادْنُ. فَدَنَوْتُ. فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ؟ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَتِ الْهَوَامُّ تَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ كَعْبٍ: أَحْرَمْتُ فَكَثُرَ قَمْلُ رَأْسِي، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَتَانِي وَأَنَا أَطْبُخُ قِدْرًا لِأَصْحَابِي. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بَعْدَ بَابَيْنِ: رَآهُ وَإِنَّهُ لَيَسْقُطُ الْقَمْلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ، وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلِأَحْمَدَ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ: قَمِلْتُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِي فِيهَا الْقَمْلُ مِنْ أَصْلِهَا إِلَى فَرْعِهَا زَادَ سَعِيدٌ: وَكُنْتُ حَسَنَ الشَّعْرِ، وَأَوَّلُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ بَعْدَ بَابٍ جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفِدْيَةِ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾ الْآيَةَ.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ: وَقَعَ الْقَمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي حَتَّى حَاجِبَيَّ وَشَارِبِي، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَدَعَانِي، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: لَقَدْ أَصَابَكَ بَلَاءٌ، وَنَحْنُ لَا نَشْعُرُ، ادْعُ إِلَيَّ الْحَجَّامَ، فَحَلَقَنِي.
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبٍ: أَصَابَتْنِي هَوَامٌّ حَتَّى تَخَوَّفْتُ عَلَى بَصَرِي. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ كَعْبٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ: فَحَكَّ رَأْسِي بِأُصْبُعِهِ فَانْتَثَرَ مِنْهُ الْقَمْلُ زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ: إِنَّ هَذَا لَأَذًى. قُلْتُ: شَدِيدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِهِ فَرَآهُ، وَفِي قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَرَآهُ أَنْ يُقَالَ: مَرَّ بِهِ أَوَّلًا فَرَآهُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فَاسْتَدْعَى بِهِ إِلَيْهِ فَخَاطَبَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِحَضْرَتِهِ، فَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَنْقُلْهُ الْآخَرُ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ السَّابِقَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: فَقَالَ: ادْنُ. فَدَنَوْتُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْنَاءَ كَانَ عَقِبَ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ إِذْ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ.
قَوْلُهُ: (لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا سُؤَالٌ عَنْ تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِالْمَشَقَّةِ الَّتِي نَالَتْهُ خَفَّفَ عَنْهُ.
وَالْهَوَامُّ - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ -: جَمْعُ هَامَّةٍ، وَهِيَ مَا يَدِبُّ مِنَ الْأَخْشَاشِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُلَازِمُ جَسَدَ الْإِنْسَانِ غَالِبًا إِذَا طَالَ عَهْدُهُ بِالتَّنْظِيفِ، وَقَدْ عُيِّنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا الْقَمْلُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى قَتْلِ الْقَمْلِ، وَتُعُقِّبَ بِذِكْرِ الْحَلْقِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفِدْيَةَ مُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ، وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ حَلَقَ وَلَمْ يَقْتُلْ قَمْلًا.
قَوْلُهُ: (احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ) قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إِلْحَاقِ الْإِزَالَةِ بِالْحَلْقِ سَوَاءٌ كَانَ
(١) في هامش طبعة بولاق: في بعض النسخ"عند الطبراني"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute