للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ : كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ أَيْ: لَكِنِ الْمُجَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي لَا يُعَافَوْنَ، وَمِنْهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ﴾ أَيْ: لَكِنْ قَلِيلٌ مِنْهُمْ لَمْ يَشْرَبُوا. قَالَ: وَلِلْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الثَّانِي مَذْهَبٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلُوا إِلَّا حَرْفَ عَطْفٍ، وَمَا بَعْدَهَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، اهـ. وَفِي نِسْبَةِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ أَبِي قَتَادَةَ دُونَ أَبِي قَتَادَةَ نَظَرٌ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: قَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ، حَيْثُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ - إِلَى أَنْ قَالَ - أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ. وَقَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ: فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَعْلِهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا. وَمِنْ تَوْجِيهِ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: عَلِيُّ بْنُ أَبُو طَالِبٍ.

قَوْلُهُ: (فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا) فِي هَذَا السِّيَاقِ زِيَادَةٌ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى إِفْرَادِ الْحِمَارِ بِالرُّؤْيَةِ، وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحُمُرِ، وَأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ أَتَانًا، أَيْ: أُنْثَى، فَعَلَى هَذَا فِي إِطْلَاقِ الْحِمَارِ عَلَيْهَا تَجَوُّزٌ.

قَوْلُهُ: (فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ الْآتِيَةِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ: فَرُحْنَا وَخَبَّأْتُ الْعَضُدَ مَعِي وَفِيهِ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَلَهُ فِي الْجِهَادِ قَالَ: مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ قَدْ رَفَعْنَا لَكَ الذِّرَاعَ، فَأَكَلَ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ: أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا.) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ عُثْمَانَ: هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوِ اصْطَدْتُمْ؟ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: أَشَرْتُمْ أَوِ اصْطَدْتُمْ أَوْ قَتَلْتُمْ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا) صِيغَةُ الْأَمْرِ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْجَوَازِ لَا عَنِ الْوُجُوبِ، فَوَقَعَتِ الصِّيغَةُ عَلَى مُقْتَضَى السُّؤَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَتَيْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ كَمَا تَرَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ غَيْرُهُ، وَوَافَقَهُ صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي عَوَانَةَ وَلَفْظُهُ: فَقَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُونِي وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ نَفْسِهِ إِلَّا الْمُطَّلِبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَوَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي صَالِحٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ، وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ إِسْحَاقَ، وَمِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَتَفَرَّدَ مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِزِيَادَةٍ مُضَادَّةٍ لِرِوَايَتَيْ أَبِي حَازِمٍ كَمَا أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ وَقُلْتُ: إِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ.

قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْجَوْزَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعْمَرٌ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَحْفُوظَةً احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ ذَلِكَ الْحِمَارِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ اصْطَادَهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُ امْتَنَعَ، اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أَقَرَّ النَّبِيُّ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُ إِلَى أَنْ أَعْلَمَهُ أَبُو قَتَادَةَ بِأَنَّهُ صَادَهُ لِأَجْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَإِنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، وَأَمَّا إِذَا أُتِيَ بِلَحْمٍ لَا يَدْرِي أَلَحْمُ صَيْدٍ أَوْ لَا فَحَمَلَهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَى الْآكِلِ.

وَعِنْدِي بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ وَقْفَةٌ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الَّذِي تَأَخَّرَ هُوَ الْعَضُدُ، وَأَنَّهُ أَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا، أَيْ: لَمْ يُبْقِ مِنْهَا إِلَّا الْعَظْمَ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ