وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَى الصَّعْبُ وَالْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ الْأَوَّلُ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ الصَّعْبَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّهُ أَهْدَى وَالصَّعْبُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَأَبُوهُ جَثَّامَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَثْقِيلِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَكَانَ ابْنَ أُخْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (حِمَارًا وَحْشِيًّا) لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَتَابَعَهُ عَامَّةُ الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَخَالَفَهُمُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: لَحْمُ حِمَارِ وَحْشٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، لَكِنْ بَيَّنَ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حِمَارُ وَحْشٍ ثُمَّ صَارَ يَقُولُ: لَحْمُ حِمَارِ وَحْشٍ فَدَلَّ عَلَى اضْطِرَابِهِ فِيهِ، وَقَدْ تُوبِعَ عَلَى قَوْلِهِ: لَحْمُ حِمَارِ وَحْشٍ مِنْ أَوْجُهٍ فِيهَا مَقَالٌ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: لَحْمُ حِمَارٍ وَقَدْ خَالَفَهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: حِمَارُ وَحْشٍ كَالْأَكْثَرِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: رِجْلُ حِمَارِ وَحْشٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ حَسَنُ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا خُولِفَ، وَيَدُلُّ عَلَى وَهَمِ مَنْ قَالَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ ذَلِكَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: الْحِمَارُ عَقِيرٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ عَوَانَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الَّذِي أَهْدَاهُ الصَّعْبُ لَحْمُ حِمَارٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَاكِمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَهْدَى الصَّعْبُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ رِجْلَ حِمَارٍ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ: عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ تَارَةً: حِمَارُ وَحْشٍ وَتَارَةً: شِقُّ حِمَارٍ وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَذْكِرُهُ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ حَرَامٌ؟ قَالَ: أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ وَقَالَ: إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ، إِنَّا حُرُمٌ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا زَيْدُ بْنَ أَرْقَمَ، هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَهُ.
وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ ﷺ عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهُ رَدَّ الْحَيَّ وَقَبِلَ اللَّحْمَ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ لِمَا بَيَّنْتُهُ، فَإِنْ كَانَتِ الطُّرُقُ كُلُّهَا مَحْفُوظَةً فَلَعَلَّهُ رَدَّهُ حَيًّا لِكَوْنِهِ صِيدَ لِأَجْلِهِ، وَرَدَّ اللَّحْمَ تَارَةً لِذَلِكَ، وَقَبِلَهُ تَارَةً أُخْرَى، حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: إِنْ كَانَ الصَّعْبُ أَهْدَى لَهُ حِمَارًا حَيًّا، فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ حِمَارَ وَحْشٍ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ.
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَدَّهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ فَتَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الْقَبُولُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى وَقْتٍ آخَرَ وَهُوَ حَالُ رُجُوعِهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَازِمٌ فِيهِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ بِالْجُحْفَةِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّعْبُ أَحْضَرَ الْحِمَارَ مَذْبُوحًا ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَدَّمَهُ لَهُ، فَمَنْ قَالَ: أَهْدَى حِمَارًا، أَرَادَ بِتَمَامِهِ مَذْبُوحًا حَيًّا، وَمَنْ قَالَ: لَحْمُ حِمَارٍ أَرَادَ مَا قَدَّمَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ: حِمَارًا أَطْلَقَ وَأَرَادَ بَعْضَهُ مَجَازًا. قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَهْدَاهُ لَهُ حَيًّا، فَلَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ ذَكَّاهُ وَأَتَاهُ بِعُضْوٍ مِنْهُ ظَانًّا أَنَّهُ إِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute