الطَّبَرِيُّ: أَصْلُهُ مِنْ عَضَدَ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَهُ بِسُوءٍ فِي عَضُدِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ بِلَفْظِ: لَا يَخْضِدَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَاهُ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الْخَضْدِ الْكَسْرُ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْقَطْعِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: خَصَّ الْفُقَهَاءُ الشَّجَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْ قَطْعِهِ بِمَا يُنْبِتُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ، فَأَمَّا مَا يَنْبُتُ بِمُعَالَجَةِ آدَمِيٍّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْجَمِيعِ الْجَزَاءُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ قُدَامَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَزَاءِ مَا قُطِعَ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا جَزَاءَ فِيهِ بَلْ يَأْثَمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَسْتَغْفِرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ بِقِيمَتِهِ هَدْيٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْعَظِيمَةِ بَقَرَةٌ وَفِيمَا دُونَهَا شَاةٌ. وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ بِالْقِيَاسِ عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ بِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْجَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا قَطَعَ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ الْحِلِّ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ قَطْعَ السِّوَاكِ مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ، كَذَا نَقَلَهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ، وَأَجَازَ أَيْضًا أَخْذَ الْوَرَقِ وَالثَّمَرِ إِذَا كَانَ لَا يَضُرُّهَا وَلَا يُهْلِكُهَا، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا، وَأَجَازُوا قَطْعَ الشَّوْكِ لِكَوْنِهِ يُؤْذِي بِطَبْعِهِ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ، وَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظِ: وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ. فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرِدِ النَّصُّ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّوْكِ لَكَانَ فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّجَرِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّوْكِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ شَجَرِ الْحَرَمِ كَذَلِكَ، وَلِقِيَامِ الْفَارِقِ أَيْضًا فَإِنَّ الْفَوَاسِقَ الْمَذْكُورَةَ تُقْصَدُ بِالْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَرِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا انْكَسَرَ مِنَ الْأَغْصَانِ وَانْقَطَعَ مِنَ الشَّجَرِ بِغَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ وَلَا بِمَا يَسْقُطُ مِنَ الْوَرَقِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحَدٌ) هُوَ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: تَرَخَّصَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّخْصَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ فَقَالَ أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي وَلَمْ يَحِلَّهَا لِلنَّاسِ وَفِي مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: فَلَا يَسْتَنَّ بِي أَحَدٌ فَيَقُولَ قَتَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْفَاعِلُ اللَّهُ، وَيُرْوَى بِضَمِّهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
قَوْلُه: (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّ مِقْدَارَهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَالَ: كُفُّوا السِّلَاحَ، إِلَّا خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ. فَأَذِنَ لَهُمْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ قَالَ: كُفُّوا السِّلَاحَ، فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ غَدٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ، وَرَأَيْتُهُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ قَتْلَ مَنْ أَذِنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَتْلِهِمْ - كَابْنِ خَطَلٍ - وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُبِيحَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِيهِ الْقِتَالُ، خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ: سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَاحْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ قِصَّةِ ابْنِ خَطَلٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا) أَيِ: الْحُكْمُ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ إِبَاحَةِ الْقِتَالِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ لَفْظِ الْإِذْنِ.
وَقَوْلُهُ: (الْيَوْمَ) الْمُرَادُ بِهِ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ، وَقَدْ بَيَّنَ غَايَتَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ بِقَوْلِهِ: فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ قَدْ لَزِمَهُ الْإِبْلَاغُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِبْلَاغِ الْغَائِبِ عَنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ فَرْضُ الْعَمَلِ بِمَا أَبْلَغَهُ كَالَّذِي لَزِمَ السَّامِعَ سَوَاءٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ فَائِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَقِيلَ: لِأَبِي شُرَيْحٍ) لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْقَائِلِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ بَعْضُ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ.
قَوْلُهُ: (لَا يُعِيذُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: لَا يُجِيرُ وَلَا يَعْصِمُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فَارًّا) بِالْفَاءِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ، أَيْ: هَارِبًا، وَالْمُرَادُ