أَبُو رَزِينٍ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وكَسْرِ الزَّايِ - الْعُقَيْلِيُّ بِالتَّصْغِيرِ وَاسْمُهُ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ، فَفِي السُّنَنِ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ، قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ وَهَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى، وَمَنْ وَحَّدَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيِّ فَقَدْ أَبْعَدَ وَتَكَلَّفَ.
قَوْلُهُ: (شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: شَيْخًا حَالٌ وَلَا يَثْبُتُ صِفَةٌ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْضًا، وَيَكُونَ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُتَدَاخِلَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِأَنْ أَسْلَمَ، وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَشُعَيْبٍ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّحْلِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَإِنْ شَدَدْتُهُ خَشِيتُ أَنْ يَمُوتَ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ: وَإِنْ شَدَدْتُهُ بِالْحَبْلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَشِيتُ أَنْ أَقْتُلَهُ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَوِ الْأَمْنِ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى لَوْ رُبِطَ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ كَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى مَحْمِلٍ مُوَطَّأٍ كَالْمِحَفَّةِ.
قَوْلُهُ: (أَفَأَحُجُّ عَنْهُ) أَيْ: أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَنُوبَ عَنْهُ فَأَحُجَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا الْهَمْزَةُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَشُعَيْبٍ: فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: هَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: نَعَمْ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ، وَاسْتَدَلَّ الْكُوفِيُّونَ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَازِ صِحَّةِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ نِيَابَةً عَنْ غَيْرِهِ، وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فَخَصُّوهُ بِمَنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي السُّنَنِ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تَكُونُ بِالْغَيْرِ كَمَا تَكُونُ بِالنَّفْسِ، وَعَكَسَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِنَفْسِهِ لَمْ يُلَاقِهِ الْوُجُوبَ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنَ السَّائِلِ عَلَى جِهَةِ التَّبَرُّعِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ، وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا كَالصَّلَاةِ، وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ فُرِضَتْ عَلَى جِهَةِ الِابْتِلَاءِ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إِلَّا بِإِتْعَابِ الْبَدَنِ فَبِهِ يَظْهَرُ الِانْقِيَادُ أَوِ النُّفُورُ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ فِيهَا بِنَقْصِ الْمَالِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالنَّفْسِ وَبِالْغَيْرِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ قِيَاسَ الْحَجِّ عَلَى الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْحَجِّ مَالِيَّةٌ بَدَنِيَّةٌ مَعًا فَلَا يَتَرَجَّحُ إِلْحَاقُهَا بِالصَّلَاةِ عَلَى إِلْحَاقِهَا بِالزَّكَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَنْ غَلَّبَ حُكْمَ الْبَدَنِ فِي الْحَجِّ أَلْحَقَهُ بِالصَّلَاةِ، وَمَنْ غَلَّبَ حُكْمَ الْمَالِ أَلْحَقَهُ بِالصَّدَقَةِ. وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَجَّ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا أَوْصَى بِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَبِأَنَّ حَصْرَ الِابْتِلَاءِ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْآمِرِ مِنْ بَذْلِهِ الْمَالَ فِي الْأُجْرَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا حُجَّةَ لِلْمُخَالِفِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ. . . إِلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ إِلْزَامَ اللَّهِ عِبَادَهُ بِالْحَجِّ الَّذِي وَقَعَ بِشَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ صَادَفَ أَبِي بِصِفَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ، فَهَلْ أَحُجُّ عَنْهُ؟ أَيْ: هَلْ يَجُوزُ لِي ذَلِكَ، أَوْ هَلْ فِيهِ أَجْرٌ وَمَنْفَعَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ التَّصْرِيحَ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْإِجْزَاءِ فَيَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ، وَتَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ: إِنَّ أَبِي عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْخَثْعَمِيَّةِ كَمَا اخْتُصَّ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بِجَوَازِ إِرْضَاعِ الْكَبِيرِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ صَاحِبُ الْوَاضِحَةِ بِإِسْنَادَيْنِ مُرْسَلَيْنِ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: حُجَّ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِ الْإِسْنَادَيْنِ مَعَ إِرْسَالِهِمَا. وَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute