تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ.
١٨٨٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.
قَوْلُهُ: (بَابٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَا تَرْجَمَةٍ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَأَشْكَلَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَعَلُّقٍ بِالَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ. وَقَدْ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ لِأَنَسٍ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ مِنْهما بِتَرْجَمَةِ نَفْيِ الْخَبَثِ أَنَّ قَضِيَّةَ الدُّعَاءِ بِتَضْعِيفِ الْبَرَكَةِ وَتَكْثِيرِهَا تَقْلِيلُ مَا يُضَادُّهَا فَيُنَاسِبُ ذَلِكَ نَفْيَ الْخَبَثِ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الثَّانِي أَنَّ قَضِيَّةَ حُبِّ الرَّسُولِ لِلْمَدِينَةِ أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً فِي طِيبِ ذَاتِهَا وَأَهْلِهَا فَيُنَاسِبُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الثَّانِي فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَوْلُهُ فِيهِ حَدَّثَنَا أَبِي هُوَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.
قَوْلُهُ: (اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ) أَيْ: مِنْ بَرَكَةِ الدُّنْيَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ، كَتَضْعِيفِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَنْ تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَفْضَلِيَّةِ الْمَفْضُولِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ثُبُوتُ الْأَفْضَلِيَّةِ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا مَنْ نَاقَضَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّامُ وَالْيَمَنُ أَفْضَلَ مِنْ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّكْثِيرَ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لَهُمْ؛ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْبَرَكَةِ بِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَضْلَ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ. وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْبَرَكَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي أُمُورِ الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ، فَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَا سِيَّمَا فِي وُقُوعِ الْبَرَك ةِ فِي الصَّاعِ وَالْمُدِّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَرَكَةَ حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الْمَكِيلِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ فِيهَا مَنْ لَا يَكْفِيهِ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ عِنْدَ مَنْ سَكَنَهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِذَا وُجِدَتِ الْبَرَكَةُ فِيهَا فِي وَقْتٍ حَصَلَتْ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ دَوَامَهَا فِي كُلِّ حِينٍ وَلِكُلِّ شَخْصٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ) أَيْ: تَابَعَ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ فَرَوَاهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَرِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ مَوْصُولَةٌ فِي كِتَابِ عِلَلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، جَمْعُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، كَذَا وَجَدْتُهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الذُّهْلِيِّ، وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَلْقَمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَنْبَسَةَ بْنِ خَالِدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَسَاقَ رِوَايَةَ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَقَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، عَنْ وَهْبٍ بِسَمَاعِ جَرِيرٍ لَهُ مِنْ يُونُسَ، ثُمَّ قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَنَقَلَ مُغَلْطَايْ كَلَامَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ هَذَا وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَبُو شَيْبَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ سَهْوٌ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ قَاسِمَ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ وَأَبُو شَيْبَةَ. ثُمَّ قَالَ مُغَلْطَايْ: وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: قَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: يَعْنِي الْمَدِينَةَ اهـ. وَهَذَا نَظَرُ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ فِيهِ، إِذِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ذَكَرَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مُتَابَعَةً لِرِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، كَمَا ذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ، وَشَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ مُتَابَعَةً لِجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ يُونُسَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ طَرِيقَ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute