للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَجْلًا تَعْنِي مَاءً آجِنًا"

[الحديث ١٨٨٩ - أطرافه في ٣٩٢٦، ٥٦٥٤، ٥٦٧٧، ٦٣٧٢]

١٨٩٠ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ وَقَالَ ابْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ قَالَتْ سَمِعْتُ عُمَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ سَمِعْتُ عُمَرَ

قَوْلُهُ: (بَابٌ) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِلَا تَرْجَمَةٍ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَدِيثَيْنِ وَأَثَرٍ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَعَلُّقٌ بِالتَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَهُ: فَحَدِيثُ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّرْغِيبِ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ وَعْكِ أَبِي بَكْرٍ، وَبِلَالٍ فِيهِ دُعَاؤُهُ لِلْمَدِينَةِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ صَحِّحْهَا وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّرْغِيبِ فِي سُكْنَاهَا أَيْضًا، وَأَثَرُ عُمَرَ فِي دُعَائِهِ بِأَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ بِهَا ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ لِكَرَاهَتِهِ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ، أَيْ: تَصِيرَ خَالِيَةً.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي الْمِنْبَرِ، فَقَوْلُهُ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي. كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرٍ وَحْدَهُ قَبْرِي بَدَلَ بَيْتِي وَهُوَ خَطَأٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ الْجَنَائِزِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ بَيْتِي وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُسْنَدِ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: الْقَبْرُ، فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ فِي قَوْلِهِ بَيْتِي أَحَدُ بُيُوتِهِ لَا كُلُّهَا، وَهُوَ بَيْتُ عَائِشَةَ الَّذِي صَارَ فِيهِ قَبْرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَبَيْتِ عَائِشَةَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.

قَوْلُهُ: (رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) أَيْ: كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فِي نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِ السَّعَادَةِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَازَمَةِ حِلَقِ الذِّكْرِ لَا سِيَّمَا فِي عَهْدِهِ فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِغَيْرِ أَدَاةٍ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ فَيَكُونُ مَجَازًا، أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَوْضَةٌ حَقِيقَةٌ بِأَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ. هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهِيَ عَلَى تَرْتِيبِهَا هَذَا فِي الْقُوَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي أَيْ: يُنْقَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْصَبُ عَلَى الْحَوْضِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: الْمُرَادُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَهُوَ فَوْقَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْمِنْبَرُ الَّذِي يُوضَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَفَعَهُ: إِنَّ قَوَائِمَ مِنْبَرِي رَوَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ قَصْدَ مِنْبَرِهِ وَالْحُضُورَ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُورِدُ صَاحِبَهُ إِلَى الْحَوْضِ وَيَقْتَضِي شُرْبَهُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَنَقَلَ ابْنُ زَبَالَةَ أَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْقَبْرُ الْآنَ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ وَسُدُسٌ. وَقِيلَ: خَمْسُونَ إِلَّا ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، وَهُوَ الْآنَ كَذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ نَقَصَ لَمَّا أُدْخِلَ مِنَ الْحُجْرَةِ فِي الْجِدَارِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الَّتِي بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمِنْبَرِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَدْ قَالَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ، مَجَازا؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً لَكَانَتْ كَمَا وَصَفَ اللَّهُ الْجَنَّةَ: ﴿إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى﴾ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا يُقَ لُ فِي الْيَوْمِ الطَّيِّبِ: هَذَا مِنْ أَيَّامِ الْجَنَّةِ، وَكَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ قَالَ: ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمَا كَانَ الْفَضْلُ إِلَّا لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ خَاصَّةً، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مَا قَرُبَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِمَّا بَعُدَ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ الْجُحْفَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَوْلُهُ: وُعِكَ