للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- بِضَمِّ أَوَّلِهِ - أَيْ: أَصَابَهُ الْوَعْكُ وَهُوَ الْحُمَّى، وَقِيلَ: مَغْثُ الْحُمَّى، وَسَيَأْتِي شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْمَغَازِي أَوَّلَ الْهِجْرَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (قَالَتْ) يَعْنِي: عَائِشَةَ، وَالْقَائِلُ عُرْوَةُ فَهُوَ مُتَّصِلٌ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَوْبَأُ) بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ أَفْعَلَ مِنَ الْوَبَاءِ، وَالْوَبَاءُ مَقْصُورٌ بِهَمْزٍ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ، هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ، وَلَا يُعَارِضُ قُدُومَهُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَهْيُهُ عَنِ الْقُدُومِ عَلَى الطَّاعُونِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ، أَوْ أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِالطَّاعُونِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَوْتِ الذَّرِيعِ لَا الْمَرَضِ وَلَوْ عَمَّ.

قَوْلُهُ: (قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ) يَعْنِي: وَادِي، الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهَا (يَجْرِي نَجْلًا، تَعْنِي مَاءً آجِنًا) هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاوِي عَنْهَا، وَغَرَضُهَا بِذَلِكَ بَيَانُ السَّبَبِ فِي كَثْرَةِ الْوَبَاءِ بِالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ يَحْدُثُ عِنْدَهُ الْمَرَضُ، وَقِيلَ: النَّجْلُ النَّزُّ بِنُونٍ وَزَايٍ، يُقَالُ: اسْتَنْجَلَ الْوَادِي إِذَا ظَهَرَ نُزُوزُهُ. وَنَجْلًا بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَقَدْ تُفْتَحُ، حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: النَّجَلُ - بِفَتْحَتَيْنِ - سَعَةُ الْعَيْنِ، وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ هُنَا، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّجْلُ الْعَيْنُ حِينَ تَظْهَرُ وَيَنْبُعُ عَيْنُ الْمَاءِ. وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: نَجْلًا؛ أَيْ: وَاسِعًا، وَمِنْهُ عَيْنٌ نَجْلَاءُ أَيْ: وَاسِعَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَدِيرُ الَّذِي لَا يَزَالُ فِيهِ الْمَاءُ.

قَوْلُهُ: (تَعْنِي مَاءً آجِنًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ: مُتَغَيِّرًا، قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَسَّرَهُ؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ. قُلْتُ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ لِكَوْنِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ وَبِيئَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّجْلَ إِذَا فُسِّرَ بِكَوْنِهِ الْمَاءَ الْحَاصِلَ مِنَ النَّزِّ فَهُوَ بِصَدَدِ أَنْ يَتَغَيَّرَ، وَإِذَا تَغَيَّرَ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مِمَّا يُحْدِثُ الْوَبَاءَ فِي الْعَادَةِ. وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ سَبَبَ دُعَائِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فِيهَا أَنَّ عُمَرَ شَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ، فَقَالَ لَمَّا قَصَّهَا عَلَيْهِ: أَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، لَسْتُ أَغْزُو وَالنَّاسُ حَوْلِي. ثُمَّ قَالَ: بَلَى، يَأْتِي بِهَا اللَّهُ إِنْ شَاءَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ زُرَيْعٍ عن رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ) وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ بِهِ وَلَفْظُهُ: عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً بِبَلَدِ نَبِيِّكِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ: يَأْتِي بِهِ اللَّهُ إِذَا شَاءَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ هِشَامُ) ابْنُ سَعْدٍ (عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ) أَسْلَمَ، وَصَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ أَبَاهَا يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَفِي آخِرِهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ إِنْ شَاءَ وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَيْنِ التَّعْلِيقَيْنِ بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَاتَّفَقَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَلَى أَنَّهُ عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ وَقَدْ تَابَعَهُمَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدٍ، عِنْدَ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ، وَانْفَرَدَ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ: عَنْ أُمِّهِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَلِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَارِئِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ وَطَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ إِسْنَادُهَا صَحِيحٌ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٌ، وَزَادَ: فَكَانَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَدْرُونَ مَا وَجْهُهُ حَتَّى طَعَنَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ، عُمَرَ، . (تَنْبِيهٌ): تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَمَسْجِدِ قُبَاءٍ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي أَبْوَابٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ.

(خَاتِمَةٌ): اشْتَمَلَ ذِكْرُ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ حَدِيثًا، الْمُعَلَّقُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ، وَالْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى تِسْعَةٌ، وَالْخَالِصُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذِكْرِ بَنِي حَارِثَةَ، وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ أَثَرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَثَرُ عُمَرَ الَّذِي خَتَمَ بِهِ فَأَخْرَجَهُ مَوْصُولًا وَمُعَلَّقًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى حُسْنِ الْخِتَامِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِالْحُسْنَى، وَأَنْ يُعِينَ عَلَى خَتْمِ هَذَا الشَّرْحِ، وَيَرْفَعَنَا بِهِ إِلَى الْمَحِلِّ الْأَسْنَى، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.