للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنَ الصَّحَابَةِ مُبْهَمٍ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - وَهِيَ مَا إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلِعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ - ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ. ثَانِيهَا: لَا يَجُوزُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا مُطْلَقًا، بَلْ قَضَاءً وَكَفَّارَةً وَنَذْرًا وَنَفْلًا يُوَافِقُ عَادَةً، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَيَجُوزُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ. ثَالِثُهَا: الْمَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ. وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: فَاقْدُرُوا لَهُ قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ، فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ أَصْبَحَ صَائِمًا.

وَأَمَّا مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّوْمَ لَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا إِذَا تَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، فَأَمَّا إِذَا حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ شَيْءٌ فَلَا يُسَمَّى شَكًّا. وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ الثَّانِي. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي تَنْقِيحِهِ: الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ - وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ - أَنَّهُ أَيُّ شَهْرٍ غُمَّ أُكْمِلَ ثَلَاثِينَ؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ وَرَمَضَانُ وَغَيْرُهُمَا، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ يَرْجِعُ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ أَيْ: غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ أَوْ فِطْرِكُمْ، وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ لِلشَّهْرِ أَيْ: عِدَّةَ الشَّهْرِ، وَلَمْ يَخُصَّ شَهْرًا دُونَ شَهْرٍ بِالْإِكْمَالِ إِذَا غُمَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، إِذْ لَوْ كَانَ شَعْبَانُ غَيْرَ مُرَادٍ بِهَذَا الْإِكْمَالِ لَبَيَّنَهُ فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مُخَالِفَةً لِمَنْ قَالَ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ بَلْ مُبَيِّنَةً لَهَا. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا.

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَكَذَا، وَرَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ.

قَوْلُهُ: (فَاقْدُرُوا لَهُ) تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَأْوِيلٍ ثَالِثٍ، قَالُوا: مَعْنَاهُ فَاقْدُرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ. قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ التَّابِعَيْنَ وَابْنُ قُتَيْبَةَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَأَمَّا ابْنُ قُتَيْبَةَ فَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُعَرَّجُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا. قَالَ: وَنَقَلَ ابْنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٌ، عَنِ الشَّافِعِيِّ مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ قَوْلَهُ: فَاقْدُرُوا لَهُ خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ خِطَابٌ لِلْعَامَّةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَصَارَ وُجُوبُ رَمَضَانَ عِنْدَهُ مُخْتَلِفَ الْحَالِ يَجِبُ عَلَى قَوْمٍ بِحِسَابِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَعَلَى آخَرِينَ بِحِسَابِ الْعَدَدِ، قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ عَنِ النُّبَلَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: مَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ هِيَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الْأَهِلَّةِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ فَأَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْآحَادُ، قَالَ: فَمَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ تُدْرَكُ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ يُدْرِكُهُ مَنْ يُرَاقِبُ النُّجُومَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَالَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ. وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبٍ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِجَوَازِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ، وَأَبِي الطَّيِّبِ، وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ فَنَقَلَ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ لُزُومَ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَتَعَدَّدَتِ الْآرَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خُصُوصِ