للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَأَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ) أَصْلُهَا بَيْنَ وَقَدْ تَرِدُ بِغَيْرِ مَا فَتُشْبَعُ الْفَتْحَةُ، وَمِنْ خَاصَّةِ بَيْنَمَا أَنَّهَا تُتَلَقَّى بِـ إِذْ وَبِـ إِذَا حَيْثُ تَجِيءُ لِلْمُفَاجَأَةِ، بِخِلَافِ بَيْنَا فَلَا تُتَلَقَّى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ وَرَدَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ النَّبِيِّ فِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ فِي التَّعْبِيرِ لِمَا تُشْعِرُ الْعِنْدِيَّةُ بِالتَّعْظِيمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَعَ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَعَ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ، إِلَّا أَنَّ عَبْدَ الْغَنِيِّ فِي الْمُبْهَمَاتِ - وَتَبِعَهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ - جَزْمًا بِأَنَّهُ سُلَيْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ، وَاسْتَنَدَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ وَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : حَرِّرْ رَقَبَةً، قُلْتُ: مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا وَضَرَبَ صَفْحَةَ رَقَبَتِهِ. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ. قَالَ: وَهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَّا مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا. قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا لَنَا طَعَامٌ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ؛ فَإِنَّ فِي قِصَّةِ الْمُجَامِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي قِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا فَافْتَرَقَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا - فِي كَوْنِهِمَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ وَفِي صِفَةِ الْكَفَّارَةِ وَكَوْنِهَا مُرَتَّبَةً وَفِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ خِصَالِهَا - اتِّحَادُ الْقِصَّتَيْنِ، وَسَنَذْكُرُ أَيْضًا مَا يُؤَيِّدُ الْمُغَايِرَةَ بَيْنَهُمَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَرْجَمَةِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مِنَ التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ صَخْرٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّ هَذَا وَهْمًا؛ لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ وَوَقَعَ عَلَيْهَا فِي اللَّيْلِ لَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ بِالنَّهَارِ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمضَانَ أَيْ: لَيْلًا بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ، فَلَا يَكُونُ وَهْمًا وَلَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ، وَوَقَعَ فِي مَبَاحِثِ الْعَامِّ مِنْ شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ وَهَمٌ يَظْهَرُ مِنْ تَأَمُّلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) زَادَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ وَهُوَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَدُقُّ صَدْرَهُ وَيَقُولُ: هَلَكَ الْأَبْعَدُ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ: يَلْطِمُ وَجْهَهُ وَلِحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ: يَدْعُو وَيْلَهُ وَفِي مُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: وَيُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ هَذَا الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ مَعْصِيَةٌ، وَيُفَرَّقُ بِذَلِكَ بَيْنَ مُصِيبَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَجُوزُ فِي مُصِيبَةِ الدِّينِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَالُ مِنْ شِدَّةِ النَّدَمِ وَصِحَّةِ الْإِقْلَاعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ هَلَكْتُ) فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: فَقَالَ: إِنَّ الْأَخِرَ هَلَكَ وَالْأَخِرُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بِغَيْرِ مَدٍّ هُوَ الْأَبْعَدُ، وَقِيلَ: الْغَائِبُ، وَقِيلَ: الْأَرْذَلُ.

قَوْلُهُ: (هَلَكْتُ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ احْتَرَقْتُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ: مَا أَرَانِي إِلَّا قَدْ هَلَكْتُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ وَالِاحْتِرَاقَ مَجَازٌ عَنِ الْعِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ، وَبَالَغَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ: الْمَاضِي، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى النَّاسِي وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ، وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ عَلَى النَّاسِي، وَتَمَسَّكُوا بِتَرْكِ اسْتِفْسَارِهِ عَنْ جِمَاعِهِ هَلْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي الْفِعْلِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْقَوْلِ كَمَا اشْتُهِرَ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ هَلَكْتُ وَاحْتَرَقْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ، وَأَيْضًا فَدُخُولُ النِّسْيَانِ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ تَرْجَمَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي الْحُدُودِ وَأَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَتَوَجيهُهُ أَنَّ مَجِيئَهُ مُسْتَفْتِيًا