يَقْتَضِي النَّدَمَ وَالتَّوْبَةَ، وَالتَّعْزِيرُ إِنَّمَا جُعِلَ لِلِاسْتِصْلَاحِ وَلَا اسْتِصْلَاحَ مِنَ الصَّلَاحِ، وَأَيْضًا فَلَوْ عُوقِبَ الْمُسْتَفْتِي لَكَانَ
سَبَبًا لِتَرْكِ الِاسْتِفْتَاءِ، وَهِيَ مَفْسَدَةٌ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَاقَبَ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغَوِيِّ أَنَّ مَنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَيُعَزَّرُ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ، وَبَنَاهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْزِيرِ شَاهِدِ الزُّورِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ مَا لَكَ)؟ بِفَتْحِ اللَّامِ، اسْتِفْهَامٌ عَنْ حَالِهِ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: وَيْحَكَ، مَا شَأْنُكَ؟ وَلِابْنِ أَبِي حَفْصَةَ: وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟ وَلِعَمْرٍو: مَا ذَاكَ؟ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ؟ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ وَتَرْجَمَ بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: وَيْلَكَ وَيْحَكَ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ: تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي: فِي قَوْلِهِ: وَيْحَكَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيْلَكَ. قُلْتُ: وَسَأَذْكُرُ مَنْ وَصَلَهُمَا هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ تَابَعَ ابْنَ خَالِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَيْلَكَ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَتَابَعَ الْأَوْزَاعِيَّ فِي قَوْلِهِ: وَيْحَكَ عُقَيْلٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَهُوَ أَرْجَحُ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْمَقَامِ، فَإِنَّ وَيْحَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ، وَوَيْلَ كَلِمَةُ عَذَابٍ، وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ.
قَوْلُهُ: (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَصَبْتُ أَهْلِي وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: وَطِئْتُ امْرَأَتِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّخْيِيرِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْحَدِيثَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صِيَامَهُ مُطْلَقًا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا قَوْلُهُ: أَفْطَرَ هُنَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ مُطْلَقًا بِقِيَاسِ الْآكِلِ عَلَى الْمُجَامِعِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ انْتَهَاكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ، وَبِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ فَسَدَ صَوْمُهُ كَمَا يَفْسُدُ صَوْمُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا وَطِئْتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ سَاقَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا وَسَاقَ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مَتْنَهَا أَنَّهُ قَالَ: أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَمَخْرَجُهَا مُتَّحِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي مُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: أَصَبْتُ امْرَأَتِي ظُهْرًا فِي رَمَضَانَ وَتَعْيِينُ رَمَضَانَ مَعْمُولٌ بِمَفْهُومِهِ، وَلِلْفَرْقِ فِي وُجُوبِ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي الصَّوْمِ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ كَالنَّذْرِ، وَفِي كَلَامِ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ وَقَعَ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ نَهَارًا سَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا صَائِمٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَعْتُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْمُشْتَقِّ بَقَاءُ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ صَائِمًا مُجَامِعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَطِئْتُ أَيْ: شَرَعْتُ فِي الْوَطْءِ، أَوْ أَرَادَ جَامَعْتُ بَعْدَ إِذْ أَنَا صَائِمٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي الْيَوْمَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ: (هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا) فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ: أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً، وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: بِئْسَمَا صَنَعْتَ أَعْتِقْ رَقَبَةً.
قَوْلُهُ: (قَالَ: لَا) فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُسَافِرٍ: فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ لَيْسَ عِنْدِي، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا مَلَكْتُ رَقَبَةً قَطُّ وَاسْتُدِلَّ بِإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ السَّبَبَ إِذَا اخْتَلَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute