وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَحْنُ نَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْكَ وَاسْتُدِلَّ بِإِفْرَادِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْمَوْطُوءَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُرَاجَعَةِ: هَلْ تَسْتَطِيعُ وَهَلْ تَجِدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَلَى اخْتِلَافٍ وَتَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُطَاوِعَةِ وَالْمُكْرَهَةِ، وَهَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الرَّجُلِ عَنْهَا، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِسُكُوتِهِ ﵊ عَنْ إِعْلَامِ الْمَرْأَةِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْحَاجَةِ، وَأُجِيبُ بِمَنْعِ وُجُودِ الْحَاجَةِ إِذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَرِفْ وَلَمْ تَسْأَلْ، وَاعْتِرَافُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهَا حُكْمًا مَا لَمْ تَعْتَرِفْ، وَبِأَنَّهَا قَضِيَّةُ حَالٍ، فَالسُّكُوتُ عَنْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِعُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَارِ. ثُمَّ إِنَّ بَيَانَ الْحُكْمِ لِلرَّجُلِ بَيَانٌ فِي حَقِّهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَحْرِيمِ الْفِطْرِ وَانْتَهَاكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ كَمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْغُسْلِ.
وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْحُكْمِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ كَافٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ السُّكُوتِ عَنْ حُكْمِ الْمَرْأَةِ مَا عَرَفَهُ مِنْ كَلَامِ زَوْجِهَا بِأَنَّهَا لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى شَيْءٍ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ هَلْ هِيَ عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا، أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا، أَوْ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا عَنْهَا، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَاكِتٌ عَنِ الْمَرْأَةِ فَيُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ السُّكُوتِ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ صَائِمَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِيهَا مَقَالٌ، فَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي قَوْلِهِ: وَأَهْلَكْتُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَهَهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُهْلِكًا لَهَا.
قُلْتُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ، بَلْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَهْلَكْتُ إِيجَابُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: هَلَكْتُ أَثِمْتُ وَأَهْلَكْتُ، أَيْ: كُنْتُ سَبَبًا فِي تَأْثِيمِ مَنْ طَاوَعَتْنِي فَوَاقَعَهَا إِذْ لَا رَيْبَ فِي حُصُولِ الْإِثْمِ عَلَى الْمُطَاوِعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْكَفَّارَةِ وَلَا نَفْيُهَا، أَوِ الْمَعْنَى: هَلَكْتُ، أَيْ: حَيْثُ وَقَعْتُ فِي شَيْءٍ لَا أَقْدِرُ عَلَى كَفَّارَتِهِ، وَأَهْلَكْتُ أَيْ: نَفْسِي بِفِعْلِي الَّذِي جَرَّ عَلَيَّ الْإِثْمَ، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ لِلْحَاكِمِ فِي بُطْلَانِهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، وَمُحَصَّلُ الْقَوْلِ فِيهَا أَنَّهَا وَرَدَتْ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ فَتَفَرَّدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ جَمِيعُ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ بِدُونِهَا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَنِ الْوَلِيدِ، وَعُقْبَةَ، وَعُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كَانَ حَافِظًا مُكْثِرًا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ عَمِيَ، فَلَعَلَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ بِدُونِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهَا مَا رَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: عَلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا الصِّيَامَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنِ اسْتَكْرَهَهَا؟ قَالَ: عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ فَتَفَرَّدَ بِهَا أَبُو ثَوْرٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُعَلَّى لَيْسَ بِذَاكَ الْحَافِظِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَحَدًا طَعَنَ فِي الْمُعَلَّى، وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إِنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كُلَّ يَوْمٍ فِي حَدِيثَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَلَعَلَّهُ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ بِهَذَا فَوَهَمَ. وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ: وَقَفْتُ عَلَى كِتَابِ الصِّيَامِ لِلْمُعَلَّى بِخَطٍّ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِيهِ، وَزَعَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الدَّارَقطْنِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ أَيْضًا، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ فَإِنَّ الدَّارَقطْنِيَّ لَمْ يُخْرِجْ طَرِيقَ عُقَيْلٍ فِي السُّنَنِ، وَقَدْ سَاقَهُ فِي الْعِلَلِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِدُونِهَا.
(تَنْبِيهٌ): الْقَائِلُ بِوُجُوبِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ وَعَنْ مَوْطُوءَتِهِ يَقُولُ: يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا، فَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَجْزَأَتْ رَقَبَةٌ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ مَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ صَامَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute