جَمِيعًا، فَإِنِ اخْتَلَفَ حَالُهُمَا فَفِيهِ تَفْرِيعٌ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ الرَّجُلُ عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي) أَيْ: أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ أَفْقَرَ مِنِّي؟ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ فَهِمَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى مَنْ يَتَّصِفُ بِالْفَقْرِ، وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَزَادَ فِيهِ إِلَى مَنْ أَدْفَعُهُ؟ قَالَ: إِلَى أَفْقَرَ مَنْ تَعْلَمُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِي؟ وَلِابْنِ مُسَافِرٍ: أَعَلَى أَهْلِ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنِّي؟ وَلِلْأَوْزَاعِيِّ أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِي؟ وَلِمَنْصُورٍ أَعَلَى أَحْوَجَ مِنَّا وَلِابْنِ إِسْحَاقَ: وَهَلِ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِي وَعَلَيَّ؟
قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ، وَالضَّمِيرُ لِلْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ رُوَاتِهِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ: مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِيَةِ فِي الْأَدَبِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ تَثْنِيَةُ طُنُبٍ - وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ - وَالطُّنُبُ أَحَدُ أَطْنَابِ الْخَيْمَةِ، فَاسْتَعَارَهُ لِلطَّرَفِ.
قَوْلُهُ: (أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي) زَادَ يُونُسُ: مِنِّي وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: أَفْقَرَ مِنَّا وَأَفْقَرَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مَا النَّافِيَةِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَهْلِي، مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنِّي وَفِي أَحَقَّ وَأَحْوَجَ مَا فِي أَفْقَرَ. وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا لِعِيَالِي مِنْ طَعَامٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: مَا لَنَا عَشَاءُ لَيْلَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَلِأَبِي قُرَّةَ فِي السُّنَنِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ وَلَعَلَّهَا تَصْحِيفٌ مِنْ أَنْيَابِهِ؛ فَإِنَّ الثَّنَايَا تَبِينُ بِالتَّبَسُّمِ غَالِبًا، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ إِرَادَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّبَسُّمِ، وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي صِفَتِهِ ﷺ أَنَّ ضَحِكَهُ كَانَ تَبَسُّمًا عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَقِيلَ: كَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لَمْ يَزِدْ عَلَى التَّبَسُّمِ، قِيلَ: وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ تُعَكِّرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَبَبَ ضَحِكِهِ ﷺ كَانَ مِنْ تَبَايُنِ حَالِ الرَّجُلِ حَيْثُ جَاءَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ رَاغِبًا فِي فَدَائِهَا مَهْمَا أَمْكَنَهُ، فَلَمَّا وَجَدَ الرُّخْصَةَ طَمِعَ فِي أَنْ يَأْكُلَ مَا أُعْطِيَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ: ضَحِكَ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ فِي مَقَاطِعِ كَلَامِهِ وَحُسْنِ تَأَتِّيهِ وَتَلَطُّفِهِ فِي الْخِطَابِ وَحُسْنِ تَوَسُّلِهِ فِي تَوَصُّلِهِ إِلَى مَقْصُودِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ: أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ وَلِإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَأَنْتُمْ إِذًا وَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرَ الضَّحِكِ، وَلِأَبِي قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ثُمَّ قَالَ: كُلْهُ وَنَحْوُهُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعِرَاكٍ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَلَفْظُهُ: خُذْهَا وَكُلْهَا وَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَحَجَّاجٍ، وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: عُدْ بِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِكَ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَذَاهِبُ فَقِيلَ: إِنَّهُ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ الْمُقَارِنِ لِوُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُصْرَفُ إِلَى النَّفْسِ وَلَا إِلَى الْعِيَالِ، وَلَمْ يُبَيِّنِ النَّبِيُّ ﷺ اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إِلَى حِينِ يَسَارِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا يَعُودُ.
وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ الْمُقَارِنِ لِسَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ هِلَالُ الْفِطْرِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لَهَا أَمَدٌ تَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَكَفَّارَةَ الْجِمَاعِ لَا أَمَدَ لَهَا فَتَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِهَا بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهَا عَلَى الْعَاجِزِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْسَارِ، وَالَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَّارَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ، وَإِلَى هَذَا نَحَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَائِلُهُ نَاسِخَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الَّذِينَ أُمِرَ بِصَرْفِهَا إِلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute