كُلُّهَا. قُلْتُ: لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أَبُو حُرَّةَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ) بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يُونُسُ) هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ (عَنِ الْحَسَنِ) مِثْلَهُ أَيْ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
قَوْلُهُ: (قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا مُتَابِعٌ لِأَبِي حُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَيَّاشٌ فَذَكَرَهُ، رَوَاهُ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ فِي الْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ بِهِ، وَرِوَايَةُ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ تَمَّامٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُسَامَةَ، وَالِاخْتِلَافُ عَلَى الْحَسَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاضِحٌ، لَكِنْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْكَبِيرِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ إِنْ كَانَ قَوْلُ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَحْفُوظًا صَحَّتِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا.
قُلْتُ: يُرِيدُ بِذَلِكَ انْتِفَاءَ الِاضْطِرَابِ، وَإِلَّا فَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَكْثَرِ الْمَذْكُورِينَ. ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَشُكُّ فِي رَفْعِهِ وَكَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بَعْدَ الْجَزْمِ تَرَدُّدٌ، وَحَمَلَ الْكِرْمَانِيُّ جَزْمَهُ عَلَى وُثُوقِهِ بِخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ، وَتَرَدُّدُهُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فَلَا يُفِيدُ الْيَقِينَ، وَهُوَ حَمْلٌ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ، وَثَوْبَانَ، قُلْتُ: فَكَيْفَ بِمَا فِيهِمَا مِنَ الِاخْتلَافِ؟ يَعْنِي: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ رَوَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادٍ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا، يَعْنِي: فَانْتَفَى الِاضْطِرَابُ وَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ بِذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: صَحَّ حَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادٍ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَثْبُتُ. فَقَالَ: هَذَا مُجَازَفَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: صَحَّ الْحَدِيثَانِ جَمِيعًا، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَطْنَبَ النَّسَائِيُّ فِي تَخْرِيجِ طُرُقِ هَذَا الْمَتْنِ وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي بَابِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
قُلْتُ: يُرِيدُ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَافِعٍ، لَكِنْ عَارَضَ أَحْمَدَ، يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي هَذَا فَقَالَ: حَدِيثُ رَافِعٌ أَضْعَفُهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: هُوَ عِنْدِي بَاطِلٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ عَنْهُ فَأَبى أَنْ يُحَدِّثَنِي بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ: هُوَ غَلَطٌ، قُلْتُ: مَا عِلَّتُهُ؟ قَالَ: رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثَ مَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَرَوَى عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ أَبَا أَسْمَاءَ حَدَّثَهُ أَنَّ ثَوْبَانَ أَخْبَرَهُ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى، فَكَأَنَّهُ دَخَلَ لِمَعْمَرٍ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ شَدَّادٍ وَلَفْظُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي زَمَانِ الْفَتْحِ فَرَأَى رَجُلًا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمْثَلُهُمَا إِسْنَادًا، فَإِنْ تَوَقَّى أَحَدٌ الْحِجَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ احْتِيَاطًا، وَالْقِيَاسُ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالَّذِي أَحْفَظُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ أَحَدٌ بِالْحِجَامَةِ. قُلْتُ: وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَقِبَ حَدِيثِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ. وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ بِبَغْدَادَ وَأَمَّا بِمِصْرَ فَمَالَ إِلَى الرُّخْصَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُمَا سَيُفْطِرَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ أَيْ: مَا يَؤولُ إِلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَيُقَرِّبُهُ مَا قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَيْ: تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ، أَمَّا الْحَاجِمُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُصُولَ شَيْءٍ مِنَ الدَّمِ إِلَى جَوْفِهِ عِنْدَ الْمَصِّ، وَأَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ ضَعْفَ قُوَّتِهِ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَؤولُ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ يُفْطِرَ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَفْطَرَا فَعَلَا مَكْرُوهًا وَهُوَ الْحِجَامَةُ، فَصَارَا كَأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَبِّسِينَ بِالْعِبَادَةِ، وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ كَلَامِهِمْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ) هَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَاخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute