مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي رَمَضَانَ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى) فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَّةَ الْمَذْكُورَةِ: إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى.
ثَالِثُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ، وَفِيهِ: فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ.
رَابِعُهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ فيه: (عَبْدَةُ) هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ.
قَوْلُهُ: (رَحْمَةً لَهُمْ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ ذِكْرُ الْمَشَقَّةِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمُصَنِّفُ (لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ) أَيِ: ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ شَيْخَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (رَحْمَةً لَهُمْ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ وَحْدَهُ، قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ جَمِيعًا وَفِيهِ: رَحْمَةً لَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِيهِمَا عَنْ عُثْمَانَ وَلَيْسَ فِيهِ: رَحْمَةً لَهُمْ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُمَا كَذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ وَفِيهِ: رَحْمَةً لَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهَا وَتَارَةً يَحْذِفُهَا، وَقَدْ رَوَاهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَفْظُهُ: قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: إِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ رَحِمَكُمُ اللَّهُ بِهَا إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ الْحَدِيثَ.
وَاسْتُدِلَّ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ، وَعَلَى أَنَّ غَيْرَهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إِلَّا مَا وَقَعَ فِيهِ التَّرْخِيصُ مِنَ الْإِذْنِ فِيهِ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ: فَقِيلَ: عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، وَقِيلَ: عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَى مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَيُبَاحُ لِمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَنُقِلَ التَّفْصِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَيْدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ أَنَّهُ ﷺ وَاصَلَ بِأَصْحَابِهِ بَعْدَ النَّهْيِ فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى فِعْلِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّهْيِ الرَّحْمَةَ لَهُمْ وَالتَّخْفِيفَ عَنْهُمْ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عَائِشَةُ فِي حَدِيثِهَا، وَهَذَا مِثْلُ مَا نَهَاهُمْ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ مِمَّنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ، فَمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا رَغِبَ عَنِ السُّنَّةِ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْوِصَالِ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى تَحْرِيمِ الْوِصَالِ، وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ، هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَنَقَلَ التَّحْرِيمَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى شَكٍّ مِنْهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِشَكِّهِ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَزْمٍ بِتَحْرِيمِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى جَوَازِ الْوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْوِصَالُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ بِمَنْزِلَةِ عَشَائِهِ إِلَّا أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ لَهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْلَةٌ، فَإِذَا أَكَلَهَا السَّحَرَ كَانَ قَدْ نَقَلَهَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ وَكَانَ أَخَفَّ لِجِسْمِهِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى الصَّائِمِ، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً، وَانْفَصَلَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ إِلَى السَّحَرِ لَيْسَ وِصَالًا بَلِ الْوِصَالُ أَنْ يُمْسِكَ فِي اللَّيْلِ جَمِيعِهِ كَمَا يُمْسِكُ فِي النَّهَارِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْإِمْسَاكِ إِلَى السَّحَرِ وِصَالًا لِمُشَابَهَتِهِ الْوِصَالَ فِي الصُّورَةِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ الدَّعْوَى بِأَنَّ الْوِصَالَ إِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي إِمْسَاكِ جَمِيعِ اللَّيْلِ، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُوَاصِلُ مِنَ سَحَرٍ إِلَى سَحَرٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute