أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، الْجُرْجَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ مِنْ طَرِيقِ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يُتَابِعْ بَحْرَ بْنَ نَصْرٍ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَلَا يُونُسَ سِوَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي غُفْرَانِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنَ الذُّنُوبِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَغْفِرَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ شَيْءٍ يُغْفَرُ وَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ لَمْ يَأْتِ فَكَيْفَ يُغْفَرُ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ ﷺ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ ﷿ أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ فَلَا تَقَعُ مِنْهُمْ كَبِيرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ ذُنُوبَهُمْ تَقَعُ مَغْفُورَةً، وَبِهَذَا أَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ صِيَامِ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً آتِيَةً.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَمْرُ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي التَّرَاوِيحِ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى الْقِيَامِ وَقَدْ أَدْرَجَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَإِذَا النَّاسُ فِي رَمَضَانَ يُصَلُّونَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَاسٌ يُصَلِّي بِهِمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَصَابُوا وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْزَاعٌ) بِسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا زَايٌ أَيْ: جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: مُتَفَرِّقُونَ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ، وَقَوْلُهُ: يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ أَوَّلًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَبَعْضَهُمْ يُصَلِّي جَمَاعَةً، قِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الِائْتِمَامِ بِالْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ.
قَوْلُهُ: (أَمْثَلَ) قَالَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ: اسْتَنْبَطَ عُمَرُ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ ﷺ مَنْ صَلَّى مَعَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي، وَإِنْ كَانَ كَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَإِنَّمَا كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَقِبَ حَدِيثِ عُمَرَ، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ ﷺ حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ، وَرَجَحَ عِنْدَ عُمَرَ ذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِلَافِ مِنَ افْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ، وَلِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْشَطُ لِكَثِيرِ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَإِلَى قَوْلِ عُمَرَ جَنَحَ الْجُمْهُورُ، وَعَنْ مَالِكٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: الصَّلَاةُ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبَالَغَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ: إِنَّ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فِي الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قِيَامُ رَمَضَانَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ ﷺ خَشْيَةَ الِافْتِرَاضِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا مَنْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَخَافُ مِنَ الْكَسَلِ وَلَا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِتَخَلُّفِهِ فَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْبَيْتِ سَوَاءٌ، فَمَنْ فَقَدَ بَعْضَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ.
قَوْلُهُ: (فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَيْ: جَعَلَهُ لَهُمْ إِمَامًا، وَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ ﷺ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute