للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ قَوْلُ عُمَرَ: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِالرِّجَالِ، وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يُصَلِّي بِالنِّسَاءِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ: سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ بَدَلَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ لَيْلَةً وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ) (١) أَيْ: إِمَامُهُمُ الْمَذْكُورُ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَهُمْ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَ هَيْعَةَ النَّاسِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: خَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا مَضَى وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ مِنْ قَوْلِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ بِزِيَادَةِ تَاءٍ، وَالْبِدْعَةُ أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَحْسِنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ، وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ) هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فُرَادَى أَفْضَلُ مِنَ التَّجْمِيعِ.

(تَكْمِيلٌ): لَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي بِهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ؛ فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهَا إِحْدَى عَشْرَةَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانُوا يَقْرَءُونَ بِالْمِائَتَيْنِ وَيَقُومُونَ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ.

وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ: إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَرَوَى مَالِكٌ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْوِتْرِ، وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ قَالَ: أَدْرَكْتُهُمْ فِي رَمَضَانَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَثَلَاثَ رَكَعَاتِ الْوِتْرَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ بِحَسَبِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفِهَا فَحَيْثُ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ تَقِلُّ الرَّكَعَاتُ وَبِالْعَكْسِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْعَدَدُ الْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ، وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنْهُ، وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا زَادَ عَنِ الْعِشْرِينَ رَاجِعٌ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْوِتْرِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ تَارَةً يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَتَارَةً بِثَلَاثٍ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ فِي إِمَارَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمْرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - يَعْنِي: بِالْمَدِينَةِ - يَقُومُونَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ عِنْدَنَا. وَعَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَأَيْتُ النَّاسَ يَقُومُونَ بِالْمَدِينَةِ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَبِمَكَّةَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ضِيقٌ وَعَنْهُ قَالَ: إِنْ أَطَالُوا الْقِيَامَ وَأَقَلُّوا السُّجُودَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَكْثَرُوا السُّجُودَ وَأَخَفُّوا الْقِرَاءَةَ فَحَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّهَا تُصَلَّى إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً يَعْنِي: بِالْوِتْرِ، كَذَا قَالَ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: تُصَلَّى أَرْبَعِينَ وَيُوتِرُ بِسَبْعٍ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ أَيْمَنَ، عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى الْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ ثَلَاثِ الْوِتْرِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ بِأَنَّهُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَتَكُونُ أَرْبَعِينَ إِلَّا وَاحِدَةً، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ


(١) هذه الرواية تختلف عن رواية المتن، ورواية المتن هي التي شرح عليها القسطلاني