للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قُلْنَا: التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فَوَاضِحٌ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَلَامِ فَوَاضِحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَثَلًا بِعْتُكَهُ بِعَشْرَةٍ وَقَوْلَ الْآخَرِ بَلْ بِعِشْرِينَ مَثَلًا افْتِرَاقٌ فِي الْكَلَامِ بِلَا شَكٍّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ بِعَشْرَةٍ فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ مُتَوَافِقَانِ فَيَتَعَيَّنُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا حِينَ يَتَّفِقَانِ لَا حِينَ يَتَفَرَّقَانِ وَهُوَ الْمُدَّعَى. وقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُتَبَايِعَيْنِ الْمُتَسَاوِمَانِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَجَازٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا أَوْلَى.

وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِآيَاتٍ وَأَحَادِيثَ اسْتُعْمِلَ فِيهَا الْمَجَازُ، وَقَالَ: مَنْ أَنْكَرَ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْبَائِعِ فِي السَّائِمِ فَقَدْ غَفَلَ عَنِ اتِّسَاعِ اللُّغَةِ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ فِي مَوْضِعٍ طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَالْأَصْلُ مِنَ الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالُوا أَيْضًا: وَقْتُ التَّفَرُّقِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مَا بَيْنَ قَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ. قَالُوا: فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي قَوْلِهِ: اشْتَرَيْتُ أَوْ تَرْكِهِ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ يُوجِبَ الْمُشْتَرِي، وَهَكَذَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ مِنْهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّ الْقَبُولَ يَتَعَذَّرُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ مَجَازٌ أَيْضًا، فَأُجِيبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ مَجَازٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ فِي الْحَالِ حَقِيقَةٌ وَفِيمَا عَدَاهُ مَجَازٌ، فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَكَانَ لِغَيْرِ الْبَيِّعَيْنِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّهُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ التَّفَرُّقِ عَلَى الْكَلَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُجَازَانِ فَالْأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى.

وَأَيْضًا فَالْمُتَبَايِعَانِ لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةً إِلَّا فِي حِينِ تَعَاقُدِهِمَا، لَكِنَّ عَقْدَهُمَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِإِبْرَامِ الْعَقْدِ أَوِ التَّفَرُّقِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا مُتَعَاقِدَانِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَعَلَى هَذَا تَسْمِيَتُهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةٌ بِخِلَافِ حَمْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاتِّفَاقٍ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: التَّفَرُّقُ يَقَعُ بِالْأَقْوَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ﴾ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يُفْضِي إِلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَمَنْ نَفَى خِيَارَ الْمَجْلِسِ ارْتَكَبَ مُجَازَيْنِ بِحَمْلِهِ التَّفَرُّقَ عَلَى الْأَقْوَالِ وَحَمْلِهِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ، وَأَيْضًا فَكَلَامُ الشَّارِعِ يُصَانُ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُهُ: إِنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ إِنْ شَاءَا عَقَدَا الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَعْقِدَاهُ. وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْرِفُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ: مَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَرُّقُ، أَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ أَمْ غَيْرُهُ؟ فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَمَا هُوَ، فَلَيْسَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَلَامٌ غَيْرُهُ؟ وَإِنْ كَانَ هُوَ ذَلِكَ الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَتَمَّ بَيْعُهُمَا بِهِ هُوَ الْكَلَامَ الَّذِي افْتَرَقَا بِهِ وَانْفَسَخَ بَيْعُهُمَا بِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ، وَبَيَانُ تَعَذُّرِهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِنِ اتَّفَقَا فِي الْفَسْخِ أَوِ الْإِمْضَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ خِيَارٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ جَمْعٌ بَيْنَ النِّقْضَيْنِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ، وَأَمَّا الْإِمْضَاءُ فَلَا احْتِيَاجَ إِلَى اخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْحَالُ يُفْضِي إِلَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ظَاهِرُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِ الْحَدِيثِ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ تَأَوَّلُوا الِاسْتِقَالَةَ فِيهِ عَلَى الْفَسْخِ تَأَوَّلْنَا الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ التَّأْوِيلَانِ فُزِعَ إِلَى التَّرْجِيحِ، وَالْقِيَاسُ فِي جَانِبِنَا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَمْلَ الِاسْتِقَالَةِ عَلَى الْفَسْخِ أَوْضَحُ مِنْ حَمْلِ الْخِيَارِ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ