أَوَائِلِ الْبُيُوعِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا ذِكْرُ السُّوقِ فَقَطْ وَكَوْنُهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يَتَعَاهَدُهُ الْفُضَلَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ لِتَحْصِيلِ الْمَعَاشِ لِلْكَفَافِ وَلِلتَّعَفُّفِ عَنِ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) تَقَدَّمَ أَيْضًا مَوْصُولًا هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ) تَقَدَّمَ مَوْصُولًا أَيْضًا هُنَاكَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ. الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا قَافٌ، كُوفِيٌّ ثِقَةٌ عَابِدٌ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ) أَيِ: ابْنُ مُطْعِمٍ النَّوْفَلِيُّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ) هَكَذَا قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، وَخَالَفَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ سَمِعَهُ مِنْهُمَا، فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَتَمُّ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ شَيْئًا مِنْهُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَبَثَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَنَامِهِ فَقُلْنَا لَهُ: صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، قَالَ: الْعَجَبُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ هَذَا الْبَيْتَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ ذَلِكَ زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَفِي أُخْرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ أَحَدَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ هَذَا الْجَيْشُ.
قَوْلُهُ: (بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْبَيْدَاءِ وَفِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ عَلَى الشَّكِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: هِيَ بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ. انْتَهَى. وَالْبَيْدَاءُ: مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ) زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ: وَلَمْ يَنْجُ أَوْسَطُهُمْ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ: فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْهُمْ وَاسْتُغْنِيَ بِهَذَا عَنْ تَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْ حُكْمِ الْأَوْسَطِ وَأَنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِدُخُولِهِ فِيمَنْ هَلَكَ أَوْ لِكَوْنِهِ آخِرًا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَأَوَّلًا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرِ فَيَدْخُلُ.
قَوْلُهُ: (وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ) كَذَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ، جَمْعُ سُوقٍ وَعَلَيْهِ تَرْجَمَ، وَالْمَعْنَى أَهْلُ أَسْوَاقِهِمْ، أَوِ السُّوقَةُ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ أَيْ: مَنْ رَافَقَهُمْ وَلَمْ يَقْصِدْ مُوَافَقَتَهُمْ. وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا: وَفِيهِمْ أَشْرَافُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: وَفِيهِمْ سِوَاهُمْ وَقَالَ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: أَسْوَاقُهُمْ فَأَظُنُّهُ تَصْحِيفًا، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَسْفِ بِالنَّاسِ لَا بِالْأَسْوَاقِ.
قُلْتُ: بَلْ لَفْظُ: سِوَاهُمْ تَصْحِيفٌ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّكْرَارُ، بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ. نَعَمْ أَقْرَبُ الرِّوَايَاتِ إِلَى الصَّوَابِ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِ: أَسْوَاقُهُمْ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْخَسْفُ بِالنَّاسِ، فَالْمُرَادُ بِالْأَسْوَاقِ أَهْلُهَا أَيْ: يُخْسَفُ بِالْمُقَاتِلَةِ مِنْهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَاعَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَقُلْنَا: إِنَّ الطَّرِيقَ يَجْمَعُ النَّاسَ، قَالَ: نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ - أَيِ: الْمُسْتَبِينُ لِذَلِكَ الْقَاصِدُ لِلْمُقَاتَلَةِ - وَالْمَجْبُورُ - بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيِ: الْمُكْرَهُ - وَابْنُ السَّبِيلِ - أَيْ سَالِكُ الطَّرِيقِ - مَعَهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ وَالْغَرَضُ كُلُّهُ أَنَّهَا اسْتَشْكَلَتْ وُقُوعَ الْعَذَابِ عَلَى مَنْ لَا إِرَادَةَ لَهُ فِي الْقِتَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْعُقُوبَةِ، فَوَقَعَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْعَذَابَ يَقَعُ عَامًا لِحُضُورِ آجَالِهِمْ، وَيُبْعَثُونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ.
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: يَهْلِكُونَ مَهْلِكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِهِ، وَلَكِنْ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ أَيْ: يُخْسَفُ بِالْجَمِيعِ لِشُؤْمِ