للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَشْرَارِ، ثُمَّ يُعَامَلُ كُلُّ أَحَدٍ عِنْدَ الْحِسَابِ بِحَسَبِ قَصْدِهِ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فِي الْمَعْصِيَةِ مُخْتَارًا أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَلْزَمُهُ مَعَهُمْ. قَالَ: وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَالِكٌ عُقُوبَةَ مَنْ يُجَالِسُ شَرَبَةَ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْهَجْمَةُ السَّمَاوِيَّةُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ، وَيُؤَيِّدُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ: وَيُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْتَبَرُ بِنِيَّةِ الْعَامِلِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُصَاحَبَةِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَمُجَالَسَتِهِمْ وَتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ إِلَّا لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ، وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي مُصَاحَبَةِ التَّاجِرِ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ هَلْ هِيَ إِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ أَوْ هِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ عَمَلُ كُلِّ أَحَدٍ بِنِيَّتِهِ. وَعَلَى الثَّانِي يَدُلُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَيْشُ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِمْ هُمُ الَّذِينَ يَهْدِمُونَ الْكَعْبَةَ فَيَنْتَقِمُ مِنْهُمْ فَيَخْسِفُ بِهِمْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي وَالَّذِينَ يَهْدِمُونَهَا مِنْ كُفَّارِ الْحَبَشَةِ.

وَأَيْضًا فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُمْ يُخْسَفُ بِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَهْدِمُوهَا وَيَرْجِعُوا، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ يُخْسَفُ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهَا.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى فِي أَبْوَابِ الْجَمَاعَةِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ ذِكْرُ السُّوقِ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: لَا يُنْهِزُهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا زَايٌ: يُنْهِضُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَالْمُرَادُ لَا يُزْعِجُهُ، وَالْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يُصَلِّي عَلَيْهِ أَيْ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، أَيْ: يَحْصُلُ مِنْهُ أَذًى لِلْمَلَائِكَةِ أَوْ لِمُسْلِمٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي سَبَبِ قَوْلِهِ : تَسَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنْيَتِي. أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الطَّرِيقِ الْأُولَى: كَانَ النَّبِيُّ فِي السُّوقِ وَفَائِدَةُ إِيرَادِهِ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ قَوْلُهُ فِيهَا: إِنَّهُ كَانَ بِالْبَقِيعِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّوقِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى السُّوقُ الَّذِي كَانَ بِالْبَقِيعِ، وَقَدْ قَالَ : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِالتَّصْغِيرِ، فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا جِدًّا.

قَوْلُهُ: (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ) أَيْ: فِي قِطْعَةٍ مِنْهُ، وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَائِفَةٍ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ طَائِفَةٍ أَيْ: فِي حَرِّ النَّهَارِ، يُقَالُ: يَوْمٌ صَائِفٌ، أَيْ: حَارٌّ.

قَوْلُهُ: (لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ) أَمَّا مِنْ جَانِبِ النَّبِيِّ فَلَعَلَّهُ كَانَ مَشْغُولَ الْفِكْرِ بِوَحْيٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلِلتَّوْقِيرِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الصَّحَابَةِ إِذَا لَمْ يَيرَوْا مِنْهُ نَشَاطًا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ) هَكَذَا فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: سَقَطَ بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنِ النَّاقِلِ، أَوْ أَدْخَلَ حَدِيثًا فِي حَدِيثٍ؛ لِأَنَّ بَيْتَ فَاطِمَةَ لَيْسَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ. انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا احْتِمَالًا هُوَ الْوَاقِعُ، وَلَمْ يَدْخُلْ لِلرَّاوِي حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ فَأَثْبَتَ مَا سَقَطَ مِنْهُ وَلَفْظُهُ: حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى فِنَاءَ فَاطِمَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ فِيهِ: حَتَّى أَتَى فِنَاءَ عَائِشَةَ فَجَلَسَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَالْفِنَاءُ بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا نُونٌ مَمْدُودَةٌ أَيِ: الْمَوْضِعُ الْمُتَّسِعُ أَمَامَ الْبَيْتِ.

قَوْلُهُ: (أَثَمَّ لُكَعُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَلُكَعُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: اللُّكَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الصَّغِيرُ، وَالْآخَرُ اللَّئِيمُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا: يَكُونُ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ وَقَالَ ابْنُ