للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَذْكُورَةَ أَيْضًا لَيْسَ فِيهَا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَسَيَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ التَّزْوِيجِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ، إِلَّا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ، وَقَالَ الْحَكَمُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ، وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً) أَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ: وَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَكَمِ فَوَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، سَأَلْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ عَنْ أَجْرِ الْمُعَلِّمِ، فَقَالَ: أَرَى لَهُ أَجْرًا، وَسَأَلْتُ الْحَكَمَ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ فَقِيهًا يَكْرَهُهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَوَصَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا حَذَقْتُ قُلْتُ لِعَمِّي: يَا عَمَّاهُ إِنَّ الْمُعَلِّمَ يُرِيدُ شَيْئًا، قَالَ: مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: أَعْطِهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ: أَعْطِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَجْرًا وَكَرِهَ الشَّرْطَ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا، وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ) أَمَّا قَوْلُهُ فِي أُجْرَةِ الْقَسَّامِ فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ، فَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أُجُورَ الْقَسَّامِ وَيَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ الرِّشْوَةُ عَلَى الْحُكْمِ، وَأَرَى هَذَا حُكْمًا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْمُسَيَّبِ: مَا تَرَى فِي كَسْبِ الْقَسَّامِ؟ فَكَرِهَهُ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ كَسْبَهُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ. وَجَاءَتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ يُجْمَعُ بِهَا بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ سِيرِينَ - أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشَارِطَ الْقَسَّامَ، وَكَأَنَّهُ يَكْرَهُ لَهُ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَطَةِ، وَلَا يَكْرَهُهَا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ اشْتِرَاطٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَظَهَرَ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: وَكَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ الرِّشْوَةُ بَقِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَشَارَ ابْنُ سِيرِينَ بِذَلِكَ إِلَى مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ السُّحْتِ: إِنَّهُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَسَانِيدِهِ عَنْهُمْ، وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَفْظُهُ: كُلُّ لَحْمٍ أَنْبَتَهُ السُّحْتُ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السُّحْتُ؟ قَالَ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ.

(تَنْبِيهٌ): الْقَسَّامُ بِفَتْحِ الْقَافِ، فَعَّالٌ مِنَ الْقَسَمِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ الْقَاسِمُ، وَشَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِضَمِّ الْقَافِ جَمْعُ قَاسِمٍ. وَالسُّحْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَحُكِيَ ضَمُّ الْحَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ أَكْلِهِ الْعَارُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَرَامِ. وَالرَّشْوَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَتُضَمُّ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانُوا يُعْطُونَ عَلَى الْخَرْصِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ هُوَ الْحَزْرُ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْبُيُوعِ، أَيْ: كَانُوا يُعْطُونَ أُجْرَةَ الْخَارِصِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَفْصِلُ التَّنَازُعَ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَلِأَنَّ الْخَرْصَ يُقْصَدُ لِلْقِسْمَةِ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْقَسَّامِ وَالْخَارِصِ لِلتَّرْجَمَةِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنَّ جِنْسَهُمَا وَجِنْسَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالرُّقْيَةِ وَاحِدٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى عَقْدِ الْوَثَائِقِ لِكَوْنِهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَكَرِهَ أَيْضًا أُجْرَةَ الْقَسَّامِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَرِهَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً أُخْرَى، وَأَشَارَ سَحْنُونٌ إِلَى الْجَوَازِ عِنْدَ فَسَادِ أُمُورِ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: أَحْدَثَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءٍ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ عَلَيْهِنَّ أَجْرٌ: ضِرَابَ الْفَحْلِ، وَقِسْمَةَ الْأَمْوَالِ، وَالتَّعْلِيمَ اهـ. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَتَبَرَّعُونَ بِهَا، فَلَمَّا فَشَا الشُّحُّ طَلَبُوا الْأُجْرَةَ فَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ مَنْ كَرِهَهَا عَلَى التَّنْزِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ