ذَلِكَ رَجَعَ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا أَصْلًا وَالْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاعِ كَمَا يُقَالُ: السَّرْجُ لِلْفَرَسِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَمَعَهُ مَالٌ وَشَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَالُ رِبَوِيًّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ وَمَعَهُ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُمْنَعُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْعَبْدِ خَاصَّةً، وَالْمَالُ الَّذِي مَعَهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعَقْدِ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَالُ ثِيَابًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهَا حُكْمُ الْمَالِ، وَقِيلَ تَدْخُلُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ يَدْخُلُ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنْ شَرَطَهُ الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ صَحَّ مُطْلَقًا، وَإِنْ شَرَطَ بَعْضَهُ أَوْ لِنَفْسِهِ فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ.: إِنْ زَالَ مِلْكُ السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ بِبَيْعٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ يَتْبَعُ الْعَبْدَ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى قَائِلِ هَذَا. وَإِنْ زَالَ بِالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ، وَإِنْ زَالَ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَرِوَايَتَانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَرْجَحُهُمَا إِلْحَاقُهَا بِالْبَيْعِ، وَكَذَا إِنْ سَلَّمَهُ فِي الْجِنَايَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قَوْلُهُ: وَلَهُ مَالٌ إِضَافَةُ الْمَالِ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ كَإِضَافَةِ الثَّمَرَةِ إِلَى النَّخْلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ مَالِكٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ فَهُوَ مَوْصُولٌ، وَالتَّقْدِيرُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَتَرَدَّدَ الْكَرْمَانِيُّ. وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّخْلِ مَرْفُوعًا، وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي الْعَبْدِ مَوْقُوفًا، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بِقِصَّةِ الْعَبْدِ، وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِقِصَّةِ النَّخْلِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قَوْلُهُ: فِي الْعَبْدِ أَيْ فِي شَأْنِ الْعَبْدِ، أَوِ التَّقْدِيرُ: عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَبْدِ بِأَنَّ مَالَهُ لِبَائِعِهِ، أَوْ زَادَ لَفْظَ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ أَيْ وَالْعَبْدُ كَذَلِكَ. قُلْتُ: وَأَرْجَحُهَا الْأَوَّلُ، وَقَدْ عُبِّرَ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتُهُ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بِقِصَّةِ الْعَبْدِ، وَمِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِالْقِصَّتَيْنِ، وقَالَ النَّسَائِيُّ: إِنَّهُ أَخْطَأَ، وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ اللَّيْثُ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ فِي الْعَبْدِ مَوْقُوفًا.
وَقَوْلُهُ: مَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ هَكَذَا ثَبَتَتْ قِصَّةُ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، وَصَنِيعُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ الْعَرَايَا فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا ثُمَّ قَالَ: وَلِمُسْلِمٍ مَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ وَكَأَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ كِتَابَ الْبُيُوعِ مِنَ الْبُخَارِيِّ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيهِ تَوَهَّمَ أَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ.
وَاعْتَذَرَ الشَّارِحُ ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ فَقَالَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: فَالْمُصَنِّفُ لَمَّا نَسَبَ الْحَدِيثَ لِابْنِ عُمَرَ احْتَاجَ أَنْ يَنْسُبَ الزِّيَادَةُ لِمُسْلِمٍ وَحْدَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَبَالَغَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَذْكُرَا فِي طَرِيقِ سَالِمٍ، عُمَرَ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ عُمَرَ، لَكِنَّ مُسْلِمَ، وَالْبُخَارِيَّ ذَكَرَاهُ فِي الْبُيُوعِ وَالشِّرْبِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ وَهَمِ الْمَقْدِسِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَإِنَّ سَالِمًا ثِقَةٌ بَلْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ. وَقَدْ أَشَارَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَهِيَ إِشَارَةٌ مَرْدُودَةٌ انْتَهَى.
قُلْتُ: أَمَّا نَفْيُ تَخْرِيجِهَا فَمَرْدُودٌ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ نَافِعٍ لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute