للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَفْتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ لِيَرُدَّ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، وَلَمْ يَتَفَرَّدْ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، بَلْ وَافَقَهُ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.

قَوْلُهُ: (وَرَوَاهُ اللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَجُوَيْرِيَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ . . . مُخْتَصَرًا)؛ يَعْنِي: وَلَمْ يَذْكُرُوا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، فَأَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ فَقَدْ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: أَيُّمَا مَمْلُوكٍ كَانَ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ يُقَامُ فِي مَالِ الَّذِي أَعْتَقَ قِيمَةَ عَدْلٍ فَيُعْتَقُ إِنْ بَلَغَ ذَلِكَ مَالُهُ.

وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا، وَوَصَلَهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا فِي مَمْلُوكٍ وَكَانَ لِلَّذِي يعَتَقَ مَبْلَغُ ثَمَنِهِ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ فَوَصَلَهَا أَبُو عَوَانَةَ، وَلَفْظُهُ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ نَفَاذُهُ مِنْهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ جُوَيْرِيَةَ - وَهُوَ ابْنُ أَسْمَاءَ - فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الشَّرِكَةِ كَمَا مَضَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ ذَكَرْتُ لَفْظَهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا، وَهِيَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَحْوُ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُوسِرَ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ عَتَقَ كُلُّهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْعِتْقِ؛ فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أنَّهُ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ، وَقَالَ بَعْضُ الشافعية: لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ بِالتَّقْوِيمِ كَانَ لَغْوًا وَيَغْرَمُ الْمُعْتِقُ حِصَّةَ نَصِيبِهِ بِالتَّقْوِيمِ، وَحُجَّتُهُمْ رِوَايَةُ أَيُّوبَ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ. وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ. وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ: فَكَانَ الَّذِي يُعْتِقُ نَصِيبَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ كُلُّهُ، حَتَّى لَوْ أَعْسَرَ الْمُوسِرُ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ الْعِتْقُ وَبَقِيَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ مَاتَ أَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ شَيْءٌ وَاسْتَمَرَّ الْعِتْقُ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَحُجَّتُهُمْ رِوَايَةُ سَالِمٍ أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَى التَّقْوِيمِ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِنَّ التَّقْوِيمَ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الدَّفْعُ فَقَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا رِوَايَةُ مَالِكٍ الَّتِي فِيهَا: فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، فَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا لنطقها بِالْوَاوِ. وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ حَيْثُ قَالَ: يَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَكُونُ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِتَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِالتَّقْوِيمِ عَلَى الْمُعْتِقِ. وَعَلَى رَبِيعَةَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْجُزْءِ مِنْ مُوسِرٍ وَلَا مُعْسِرٍ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ. وَعَلَى بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ التَّقْوِيمَ يَكُونُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْعِتْقِ لَا بَعْدَ صُدُورِهِ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ نَصِيبَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ، أَوْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ، أَوْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إِلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى وَلَا صَاحِبَاهُ، وَطُرِدَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ، فَالْجُمْهُورُ قَالُوا: يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَقَالَ هُوَ: يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ لِمَوْلَاهُ. وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مَا إِذَا أَذِنَ الشَّرِيكُ فَقَالَ لِشَرِيكِهِ: أَعْتِقْ نَصِيبَكَ، قَالُوا: فَلَا ضَمَانَ فِيهِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى الْمُوسِرِ أَنْ تَكْمُلَ حُرِّيَّةُ