للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّيْخِ فِي الْأَمْثَالِ وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ فِي كِتَابِ الْجُودِ لَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟ قَالُوا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ .. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: سَيِّدُكُمْ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، ابْنُ صَخْرٍ يَجْتَمِعُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي صَخْرٍ، وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ تُحْمَلَ قِصَّةُ بِشْرٍ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ قَتْلِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَمَاتَ بِشْرٌ الْمَذْكُورُ بَعْدَ خَيْبَرَ، أَكَلَ مَعَ النَّبِيِّ مِنَ الشَّاةِ الَّتِي سُمَّ فِيهَا، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي النَّهْيِ عَنْ إِطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى إِطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ، وَالْإِذْنُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ يَأْخُذُ بِهَذَا وَيَكْرَهُ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا بِلَفْظِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ بِالسَّيِّدِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا إِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ غَيْرَ تَقِيٍّ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا: لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدًا .. الْحَدِيثَ. وَنَحْوُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ.

حَدِيثَا ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَهُ أَجْرَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَا مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَالْغَرَضُ مِنْهُمَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدٌ شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ فِيهِ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبَّوَيْهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ وَكَذَا حَكَاهُ الْجَيَّانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ، وَحُكِيَ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ الذُّهْلِيُّ.

قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، فَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَكَلَامُ الطَّرْقِيِّ يُشِيرُ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ .. إِلَخْ) هِيَ أَمْثِلَةٌ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ دُونَ غَيْرِهَا لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ، وَيَجُوزُ فِي أَلِفِ اسْقِ الْوَصْلُ وَالْقَطْعُ. وَفِيهِ نَهْيُ الْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لِسَيِّدِهِ: رَبِّي، وكَذَلِكَ نَهْيُ غَيْرِهِ، فَلَا يَقُولُ لَهُ أَحَدٌ: رَبُّكَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: اسْقِ رَبَّكَ فَيَضَعُ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِنَفْسِهِ، وَالسَّبَبُ فِي النَّهْيِ أَنَّ حَقِيقَةَ الرُّبُوبِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمَالِكُ وَالْقَائِمُ بِالشَّيْءِ، فَلَا تُوجَدُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَبَبُ الْمَنْعِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَرْبُوبٌ مُتَعَبِّدٌ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَتَرْكِ الْإِشْرَاكِ مَعَهُ، فَكَرِهَ لَهُ الْمُضَاهَاةَ فِي الِاسْمِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي مَعْنَى الشِّرْكِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، فَأَمَّا مَا لَا تَعَبُّدَ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فَلَا يُكْرَهُ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ: رَبُّ الدَّارِ وَرَبُّ الثَّوْبِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ: رَبٌّ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: إِلَهٌ اهـ.

وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى إِطْلَاقُ الرَّبِّ بِلَا إِضَافَةٍ، أَمَّا مَعَ الْإِضَافَةِ فَيَجُوزُ إِطْلَاقُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ : ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ وَقَوْلِهِ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ النَّبِيِّ وَلَا يَرُدُّ مَا فِي الْقُرْآنِ، أَوِ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ وَاتِّخَاذِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَادَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنْ ذِكْرِهَا فِي الْجُمْلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلَايَ) فِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِكِهِ سَيِّدِي، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالسَّيِّدِ لِأَنَّ الرَّبَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا، وَاخْتُلِفَ فِي