للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّيِّدِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إِذْ لَا الْتِبَاسَ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَلَيْسَ فِي الشُّهْرَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ كَلَفْظِ الرَّبِّ، فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: السَّيِّدُ اللَّهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ مَرْجِعَ السِّيَادَةِ إِلَى مَعْنَى الرِّيَاسَةِ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ وَالسِّيَاسَةِ لَهُ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ لِأَمْرِهِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الزَّوْجُ سَيِّدًا، قَالَ: وَأَمَّا الْمَوْلَى فَكَثِيرُ التَّصَرُّفِ فِي الْوُجُوهِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ وَلِيٍّ وَنَاصِرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ السَّيِّدُ وَلَا الْمَوْلَى عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَّا فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى.

وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ إِطْلَاقِ مَوْلَايَ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَهُ وَزَادَ: وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ مَوْلَايَ فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللَّهُ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي، فَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَعْمَشِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَهَا، وَقَالَ عِيَاضٌ: حَذْفُهَا أَصَحُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَشْهُورُ حَذْفُهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا صِرْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ لِلتَّعَارُضِ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ إِطْلَاقَ السَّيِّدِ أَسْهَلُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَوْلَى، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى أَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا الْأَسْفَلُ وَالْأَعْلَى، وَالسَّيِّدُ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْأَعْلَى، فَكَانَ إِطْلَاقُ الْمَوْلَى أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ إِلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلَفْظِ الْمَوْلَى إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِلَفْظِ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَلَا أَمَتِي وَلَا يَقُلِ الْمَمْلُوكُ رَبِّي وَرَبَّتِي، وَلَكِنْ لِيَقُلِ الْمَالِكُ: فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَالْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنِ الْإِطْلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ، وَيُؤَيِّدُ كَلَامَهُ حَدِيثُ ابْنِ الشِّخِّيرِ الْمَذْكُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصُ الْكَرَاهَةِ بِالنِّدَاءِ فَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ يَا سَيِّدِي، وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي) زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ. وَنَحْوُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ، فَأَرْشَدَ ﷺ إِلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْسِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رَاجِعٌ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْتِزَامِ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ لِلَّهِ ﷿، وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِالْمَرْبُوبِ.

قَوْلُهُ: (وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي) زَادَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَجَارِيَتِي، فأرشد ﷺ إِلَى مَا يُؤَدِّي الْمَعْنَى مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التَّعَاظُمِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْفَتَى وَالْغُلَامِ لَيْسَ دَالًّا عَلَى مَحْضِ الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ الْعَبْدِ، فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْفَتَى فِي الْحُرِّ وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جِهَةِ التَّعَاظُمِ لَا مَنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ. انْتَهَى. وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّعْرِيفُ بِدُونِ ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ فِي اللَّفْظِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ) وقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْعَبْدِ، وَكَأَنَّ مُنَاسَبَتَهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِعِتْقِ كُلِّهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا لَكَانَ بِذَلِكَ مُتَطَاوِلًا عَلَيْهِ.

الْخَامِسُ: حَدِيثُهُ (كُلُّكُمْ رَاعٍ) وسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْأَحْكَامِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ نَاصِحًا لَهُ فِي خِدْمَتِهِ مُؤَدِّيًا لَهُ الْأَمَانَةَ نَاسَبَ أَنْ يُعِينَهُ وَلَا يَتَعَاظَمَ عَلَيْهِ.

السَّادِسُ وَالسَّابِعُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: (إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا) وسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا ذِكْرُ الْأَمَةِ، وَأَنَّهَا إِذَا عَصَتْ تُؤَدَّبُ، فَإِنْ لَمْ تَنجِعْ وَإِلَّا بِيعَتْ،