للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَ بِهَا، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ ضَابِطَهَا الْأَمْرَ الْمُشْكِلَ، وَفَسَّرَهَا غَيْرُهُ بِمَا ثَبَتَ فِيهِ الْحَقُّ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَتَقَعُ الْمُشَاحَحَةُ فِيهِ فَيُقْرَعُ لِفَصْلِ النِّزَاعِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَيْسَ فِي الْقُرْعَةِ إِبْطَالُ الشَّيْءِ مِنَ الْحَقِّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ، بَلْ إِذَا وَجَبَتِ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعَدِّلُوا ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْتَرِعُوا فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ لَهُ بِالْقُرْعَةِ مُجْتَمِعًا مِمَّا كَانَ لَهُ فِي الْمِلْكِ متاعًا فَيُضَمُّ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْعِوَضِ الَّذِي صَارَ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّ مَقَادِيرَ ذَلِكَ قَدْ عُدِّلَتْ بِالْقِيمَةِ.

وَإِنَّمَا أَفَادَتِ الْقُرْعَةُ أَنْ لَا يَخْتَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَيَخْتَارَهُ الْآخَرُ، فَيُقْطَعُ التَّنَازُعَ، وَهِيَ إِمَّا فِي الْحُقُوقِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَإِمَّا فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ، فَمِنَ الْأَوَّلِ عَقْدُ الْخِلَافَةِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي صِفَةِ الْإِمَامَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَالْأَقَارِبِ فِي تَغْسِيلِ الْمَوْتَى وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَالْحَاضِنَاتِ إِذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ، وَالْأَوْلِيَاءِ فِي التَّزْوِيجِ، وَالِاسْتِبَاقِ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَفِي نَقْلِ الْمَعْدِنِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، وَالتَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالتَّزَاحُمِ عَلَى أَخْذِ اللَّقِيطِ، وَالنُّزُولِ فِي الْخَانِ الْمُسَبَّلِ وَنَحْوِهِ، وَفِي السَّفَرِ بِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ وَفِي ابْتِدَاءِ الْقَسْمِ، وَالدُّخُولِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَفِي الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ إِذَا أُوصِيَ بِعِتْقِهِمْ وَلَمْ يَسَعْهُمُ الثُّلُثُ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ مِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي أَيْضًا وَهُوَ تَعْيِينُ الْمِلْكِ، وَمِنْ صُوَرِ تَعْيِينِ الْمِلْكِ الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا تَقْرِيرُهُ، وَسَاقَهُ مَسَاقَ الِاسْتِحْسَانِ وَالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ، وَهَذَا مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِمَعْنَاهُ. وَقَوْلُهُ: (وَعَالَ قَلَمُ زَكَرِيَّا) أَيِ ارْتَفَعَ عَلَى الْمَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَعَلَا وَفِي نُسْخَةٍ وَعَدَا بِالدَّالِ. وَالْجِرْيَةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمُ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا، فَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَلَمًا وَأَلْقَوْهَا كُلَّهَا فِي الْمَاءِ، فَجَرَتْ أَقْلَامُ الْجَمِيعِ مَعَ الْجِرْيَةِ إِلَى أَسْفَلَ وَارْتَفَعَ قَلَمُ زَكَرِيَّا فَأَخَذَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْعَدِيمِ فِي تَارِيخِ حَلَبَ بِسَنَدِهِ إِلَى شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّهَرَ الَّذِي أَلْقَوْا فِيهِ الْأَقْلَامَ هُوَ نَهَرُ قُوَيْقٍ، النَّهَرُ الْمَشْهُورُ بِحَلَبَ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلِهِ) أَيْ وَقَوْلِ اللَّهِ ﷿.

قَوْلُهُ: ﴿فَسَاهَمَ﴾ أَقْرَعَ) هُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: قَوْلُهُ: ﴿فَسَاهَمَ﴾ أَيْ قَارَعَ وَهُوَ أَوْضَحُ.

قَوْلُهُ: ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ مِنَ الْمَسْهُومِينَ) هُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ فَكَانَ مِنَ الْمَقْرُوعِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ فَكَانَ مِنَ الْمَسْهُومِينَ وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، وَهُوَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ جَوَازُ إِلْقَاءِ الْبَعْضِ لِسَلَامَةِ الْبَعْضِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَرْعِنَا لِأَنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْفُسِ فَلَا يَجُوزُ إِلْقَاؤُهُمْ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَرَضَ النَّبِيُّ إِلَخْ) وَصَلَهُ قَبْلُ بِأَبْوَابٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَيْضًا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.

السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتْ الْأَنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ، حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، قَالَتْ: فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ذَلكِ عَمَلُهُ.

الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أُمِّ الْعَلَاءِ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ، وَيَأْتِي فِي الْهِجْرَةِ شَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَةِ أُمِّ الْعَلَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهَا فِيهِ: أنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي