للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السُّكْنَى وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسَاكِنُ، فَاقْتَرَعَ الْأَنْصَارُ فِي إِنْزَالِهِمْ، فَصَارَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ لِآلِ أُمِّ الْعَلَاءِ فَنَزَلَ فِيهِمْ.

الثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ Object إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ. وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ أَوَّلِ الحَدِيثِ الْإِفْكِ، وَبَاقِيهِ يَتَعَلَّقُ بِالْقَسْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا وَسَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَحَلِّ شَرْحِهِ هُنَا.

الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي أَبْوَابِ الْأَذَانِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْقُرْعَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِهَامِ هُنَا الْإِقْرَاعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ.

الرَّابِعُ: حَدِيثُ الْنُعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ.

قَوْلُهُ: (مَثَلُ الْمُدْهِنِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيِ الْمُحَابِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُدْهِنُ وَالْمُدَاهِنُ وَاحِدٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُرَائِي وَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَلَا يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ.

قَوْلُهُ: (وَالْوَاقِعِ فِيهَا) كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَامِرٍ وَهُوَ الشَّعْبِيُّ: مَثَل الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، وَهُوَ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ الْمُدْهِنَ وَالْوَاقِعَ أَيْ مُرْتَكِبَهَا فِي الْحُكْمِ وَاحِدٌ، وَالْقَائِمُ مُقَابِلُهُ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الشَّرِكَةِ: مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، وَهَذَا يَشْمَلُ الْفِرَقَ الثَّلَاثَ وَهُوَ النَّاهِي عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالْوَاقِعُ فِيهَا وَالْمُرَائِي فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا هُنَا: مَثَلُ الْوَاقِعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّاهِي عَنْهَا وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ فِرْقَتَيْنِ فَقَطْ، لَكِنْ إِذَا كَانَ الْمُدَاهِنُ مُشْتَرِكًا فِي الذَّمِّ مَعَ الْوَاقِعِ صَارَا بِمَنْزِلَةِ فِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيَانُ وُجُودِ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ فِي الْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ أَنَّ الَّذِينَ أَرَادُوا خَرْقَ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ مَنْ عَدَاهُمْ إِمَّا مُنْكِرٌ وَهُوَ الْقَائِمُ، وَإِمَّا سَاكِتٌ وَهُوَ الْمُدْهِنُ.

وَحَمَلَ ابْنُ التِّينِ قَوْلَهُ هُنَا: الْوَاقِعِ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَائِمُ فِيهَا وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ أَيْ قَامَتِ الْقِيَامَةُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا وَقَعَ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْوَاقِعِ بِالْقَائِمِ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ: مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قَالَ فِي الشَّرِكَةِ: مَثَلُ الْقَائِمِ وَهُنَا مَثَلُ الْمُدْهِنِ وَهُمَا نَقِيضَانِ، فَإِنَّ الْقَائِمَ هُوَ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُدْهِنَ هُوَ التَّارِكُ لَهُ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ حَيْثُ قَالَ: الْقَائِمِ؛ نَظَرَ إِلَى جِهَةِ النَّجَاةِ، وَحَيْثُ قَالَ: الْمُدْهِنِ؛ نَظَرَ إِلَى جِهَةِ الْهَلَاكِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّشْبِيهَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الْحَالَيْنِ. قُلْتُ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْمُدْهِنِ وَهُوَ التَّارِكُ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَلَى ذِكْرِ الْوَاقِعِ فِي الْحَدِّ وَهُوَ الْعَاصِي وَكِلَاهُمَا هَالِكٌ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ذَكَرَ الْمُدْهِنَ وَالْقَائِمَ، وَبَعْضَهُمْ ذَكَرَ الْوَاقِعَ وَالْقَائِمَ، وَبَعْضَهُمْ جَمَعَ الثَّلَاثَةَ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُدْهِنِ وَالْوَاقِعِ دُونَ الْقَائِمِ فَلَا يَسْتَقِيمُ.

قَوْلُهُ: (اسْتَهَمُوا سَفِينَةً) أَيِ اقْتَرَعُوهَا، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا أَيْ نَصِيبًا مِنَ السَّفِينَةِ بِالْقُرْعَةِ بِأَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ إِمَّا بِالْإِجَارَةِ وَإِمَّا بِالْمِلْكِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْقُرْعَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ، ثُمَّ يَقَعُ التَّشَاحُّ فِي الْأَنْصِبَةِ فَتَقَعُ الْقُرْعَةُ لِفَصْلِ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا فِيمَا إِذَا نَزَلُوهَا مَعًا، أَمَّا لَوْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَالسَّابِقُ أَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَتْ مُسَبَّلَةً مَثَلًا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ مَثَلًا فَالْقُرْعَةُ مَشْرُوعَةٌ إِذَا تَنَازَعُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَتَأَذَّوْا بِهِ) أَيْ بِالْمَارِّ عَلَيْهِمْ بِالْمَاءِ حَالَةَ السَّقْيِ.

قَوْلُهُ: (فَأَخَذَ فَأْسًا) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ مَعْرُوفٌ، وَيُؤَنَّثُ.

قَوْلُهُ: (يَنْقُرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ أَيْ يَحْفِرُ لِيَخْرِقَهَا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ مَنَعُوهُ مِنَ الْحَفْرِ (أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الشَّرِكَةِ حَيْثُ قَالَ: