ذَكَرَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ يَطْرُقُهَا الِاحْتِمَالُ.
وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ فَفِيهِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي آخِرِ الْعِتْقِ، وَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الثُّنَيَّا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ; وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يُنَافِي مَقْصُودَ الْبَيْعِ مَا إِذَا اشْتَرَطَ مَثَلًا فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَفِي الدَّارِ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا وَفِي الْعَبْدِ أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ وَفِي الدَّابَّةِ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا، أَمَّا إِذَا اشْتَرَطَ شَيْئًا مَعْلُومًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الثُّنَيَّا فَفِي نَفْسِ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَمَّا كَانَ مَجْهُولًا، وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ فَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ لِذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ عَامِرًا) هُوَ الشَّعْبِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا) أَيْ تَعِبَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ فَأَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ أَيْ يُطْلِقَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَجْعَلَهُ سَائِبَةً لَا يَرْكَبُهُ أَحَدٌ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ، فَفِي أَوَّلِ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الْجِهَادِ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَلَاحَقَ بِي، وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أَعْيَا فَلَا يَكَادُ يَسِيرُ وَالنَّاضِحُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ هُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِنَضْحِهِ بِالْمَاءِ حَالَ سَقْيِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا، وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الْجَمَلَ كَانَ أَحْمَرَ.
قَوْلُهُ: (فَمَرَّ النَّبِيُّ ﷺ فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ) كَذَا فِيهِ بِالْفَاءِ فِيهِمَا كَأَنَّهُ عَقَّبَ الدُّعَاءَ لَهُ بِضَرْبِهِ. وَلِمُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَدَعَا لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَدَعَا لَهُ فَمَشَى مِشْيَةً مَا مَشَى قَبْلَ ذَلِكَ مِثْلَهَا، وَفِي رِوَايَةِ مُغِيرَةَ الْمَذْكُورَةِ: فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْوَكَالَةِ: فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَقالٍ. فَقَالَ: أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: أَعْطِنِيهِ، فَأَعْطَيْتُهُ فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَأَزْحَفَ فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَانْبَسَطَ حَتَّى كَانَ أَمَامَ الْجَيْشِ، وَفِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبُيُوعِ: فَتَخَلَّفَ. فَنَزَلَ فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنَه ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا، قَالَ: أَنِخْهُ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا - أَوِ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ - فَفَعَلْتُ، فَأَخَذَهَا فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ، فَقَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرٍ: فَأَبْطَأَ عَلَيَّ حَتَّى ذَهَبَ النَّاسُ، فَجَعَلْتُ أَرْقُبُهُ وَيُهِمُّنِي شَأْنُهُ، فَإِذَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: أَجَابِرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي، فَنَفَثَ فِيهَا - أَيِ الْعَصَا - ثُمَّ بح مِنَ الْمَاءِ فِي نَحْرِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا فَوَثَبَ. وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَنَضَحَ مَاءً فِي وَجْهِهِ وَدُبُرِهِ وَضَرَبَهُ بِعُصَيَّةٍ فَانْبَعَثَ، فَمَا كِدْتُ أُمْسِكُهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ لِأَسْمَعَ حَدِيثَهُ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ: فَنَخَسَهُ ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ بِاسْمِ اللَّهِ. زَادَ فِي رِوَايَةِ مُغِيرَةَ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ: قُلْتُ: لَا) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَكَرِهْتُ أَنْ أَبِيعَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُغِيرَةَ الْمَذْكُورَةِ: قَالَ أَتَبِيعُنِيهِ؟ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَكَانَتْ لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ نُبَيْحٍ وَهُوَ بِالنُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ، وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ قَالَ: بِعْنِيهِ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بِعْنِيهِ، زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute