قِصَّةِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ عَقْلِهِ وَيَقَظَتِهِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَوْقِيرِهِ وَمُرَاعَاةِ أُمُورِهِ وَرَدْعِ مَنْ جَفَا عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَالتَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ) فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِيِّ فَقَامَ الْحُلَيْسُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ، وَسَمَّى ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَبَاهُ عَلْقَمَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَكَانَ مِنْ رُءُوسِ الْأَحَابِيشِ، وَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْن كِنَانَةَ، وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ بْنِ خُزَاعَةَ، وَالْقَارَّةُ وَهُمْ بَنُو الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ. وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَبَى اللَّهُ أَنْ تَحُجَّ لَخْمٌ وَجُذَامُ وَكِنْدَةُ وَحِمْيَرُ، وَيُمْنَعَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَوْلُهُ: (فَابْعَثُوهَا لَهُ) أَيْ أَثِيرُوهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عَرْضِ الْوَادِي بِقَلَائِدِهِ قَدْ حُبِسَ عَنْ مَحِلِّهِ رَجَعَ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكِنْ فِي مَغَازِي عُرْوَةَ، عَنِ الْحَاكِمِ فَصَاحَ الْحُلَيْسُ فَقَالَ: هَلَكَتْ قُرَيْشٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، إِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أَتَوْا عَمَّارًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَجَلْ يَا أَخَا بَنِي كِنَانَةَ فَأَعْلِمْهُمْ بِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَاطَبَهُ عَلَى بُعْدٍ.
قَوْلُهُ: (فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَضِبَ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ، أَيُصَدُّ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظِّمًا لَهُ؟ فَقَالُوا: كُفَّ عَنَّا يَا حُلَيْسُ حَتَّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ جَوَازُ الْمُخَادَعَةِ فِي الْحَرْبِ وَإِظْهَارِ إِرَادَةِ الشَّيْءِ وَالْمَقْصُودُ غَيْرُهُ، وَفِيهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ حُرُمَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَصُدُّ عَنْ ذَلِكَ تَمَسُّكًا مِنْهُمْ بِبَقَايَا مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ ﵇.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ ابْنُ حَفْصٍ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ ابْنِ الْأَخْيَفِ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ ثُمَّ الْفَاءُ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَوَقَعَ بِخَطِّ ابْنِ عَبْدَةَ النَّسَّابَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِخَطِّ يُوسُفَ بْنِ خَلِيلٍ الْحَافِظِ بِضَمِّهَا وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ غَادِرٌ وَهُوَ أَرْجَحٌ، فَإِنِّي مَا زِلْتُ مُتَعَجِّبًا مِنْ وَصْفِهِ بِالْفُجُورِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ فُجُورٌ ظَاهِرٌ، بَلْ فِيهَا مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ فِي قِصَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ، إِلَى أَنْ رَأَيْتُ فِي مَغَازِي الْوَاقِدَيِّ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِقُرَيْشٍ كَيْفَ نَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ وَبَنُو كِنَانَةَ خَلْفَنَا لَا نَأْمَنُهُمْ عَلَى ذَرَارِيِّنَا؟ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ حَفْصَ بْنَ الْأَخْيَفِ يَعْنِي وَالِدَ مِكْرَزٍ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَضِيءٌ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ بِدَمٍ لَهُ كَانَ فِي قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَتْ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا، فَعَدَا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ سَيِّدِ بَنِي بَكْرٍ غِرَّةً فَقَتَلَهُ، فَنَفَرَتْ مِنْ ذَلِكَ كِنَانَةُ، فَجَاءَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، وَكَانَ مِكْرَزٌ مَعْرُوفًا بِالْغَدْرِ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّتَ الْمُسْلِمِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا فَأَخَذَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَهُوَ عَلَى الْحَرَسِ وَانْفَلَتَ مِنْهُمْ مِكْرَزٌ، فَكَأَنَّهُ ﷺ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَدَعَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالُوا: اذْهَبْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَصَالِحْهُ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَدْ أَرَادَتْ قُرَيْشٌ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثَتْ هَذَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ إِلَخْ) هَذَا مَوْصُولٌ إِلَى مَعْمَرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وَصَلَهُ بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيُصَالِحُوهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ سُهَيْلًا قَالَ: قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ وَلِلطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ إِلَى مَعْمَرٍ، وَهُوَ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا اعْتَرَضَ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ فِي أَثْنَائِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا) فِي رِوَايَةِ ابْنِ