(وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ) فِي مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رِوَايَةَ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لَمَّا رَأَى عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ مُقْبِلًا لَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرَ لِيَسْتَخْفِيَ مِنْ عُرْوَةَ عَمِّهِ.
قَوْلُهُ: (بِنَعْلِ السَّيْفِ) هُوَ مَا يَكُونُ أَسْفَلَ الْقِرَابِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (أَخِّرْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ التَّأْخِيرِ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَيْكَ وَزَادَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَمَسَّهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَيَقُولُ عُرْوَةُ: وَيْحَكَ مَا أَفَظَّكَ وَأَغْلَظَكَ وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَتَنَاوَلَ الرَّجُلُ لِحْيَةَ مَنْ يُكَلِّمُهُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمُلَاطَفَةِ، وَفِي الْغَالِبِ إِنَّمَا يَصْنَعُ ذَلِكَ النَّظِيرُ بِالنَّظِيرِ، لَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُفضِي لِعُرْوَةَ عَنْ ذَلِكَ اسْتِمَالَةً لَهُ وَتَأْلِيفًا، وَالْمُغِيرَةُ يَمْنَعُهُ إِجْلَالًا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَتَعْظِيمًا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: الْمُغِيرَةُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فَلَمَّا أَكْثَرَ الْمُغِيرَةُ مِمَّا يَقْرَعُ يَدَهُ غَضِبَ وَقَالَ: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ آذَانِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ؟ وَاللَّهِ لَا أَحْسَبُ فِيكُمْ أَلْأَمَ مِنْهُ وَلَا أَشَرَّ مَنْزِلَةً وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَفْسِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ غُدَرُ) بِالْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ عُمَرَ مَعْدُولٌ عَنْ غَادِرٍ مُبَالَغَةً فِي وَصْفِهِ بِالْغَدْرِ.
قَوْلُهُ: (أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ) أَيْ أَلَسْتُ أَسْعَى فِي دَفْعِ شَرِّ غَدْرَتِكَ؟ وَفِي مَغَازِي عُرْوَةَ وَاللَّهِ مَا غَسَلْتُ يَدَيَّ مِنْ غَدْرَتِكَ، لَقَدْ أَوْرَثْتَنَا الْعَدَاوَةَ فِي ثَقِيفٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهَلْ غَسَلْتَ سَوْأَتَكَ إِلَّا بِالْأَمْسِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ: أَشَارَ عُرْوَةُ بِهَذَا إِلَى مَا وَقَعَ لِلْمُغِيرَةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ ثَقِيفٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ فَغَدَرَ بِهِمْ وَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَتَهَايَجَ الْفَرِيقَانِ بَنُو مَالِكٍ وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ، فَسَعَى عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَمُّ الْمُغِيرَةِ حَتَّى أَخَذُوا مِنْهُ دِيَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفْسًا وَاصْطَلَحُوا. وَفِي الْقِصَّةِ طُولٌ، وَقَدْ سَاقَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ، وَالْوَاقِدِيُّ الْقِصَّةَ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا خَرَجُوا زَائِرِينَ الْمُقَوْقِسَ بِمِصْرَ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ وَقَصَّرَ بِالْمُغِيرَةِ فَحَصَلَتْ لَهُ الْغَيْرَةُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شَرِبُوا الْخَمْرَ، فَلَمَّا سَكِرُوا وَنَامُوا وَثَبَ الْمُغِيرَةُ فَقَتَلَهُمْ وَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ) بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَقْبَلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ) أَيْ لَا أَتَعَرَّضُ لَهُ لِكَوْنِهِ أَخَذَهُ غَدْرًا. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ فِي حَالِ الْأَمْنِ غَدْرًا لِأَنَّ الرُّفْقَةَ يَصْطَحِبُونَ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَالْأَمَانَةُ تُؤَدَّى إِلَى أَهْلِهَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَأَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ إِنَّمَا تَحِلُّ بِالْمُحَارَبَةِ وَالْمُغَالَبَةِ، وَلَعَلَّ النَّبِيَّ ﷺ تَرَكَ الْمَالَ فِي يَدِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يُسْلِمَ قَوْمُهُ فَيَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْقِصَّةِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إِذَا أَتْلَفَ مَالَ الْحَرْبِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ يَرْمُقُ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ يَلْحَظُ.
قَوْلُهُ: (فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ إِلَّا أَخَذُوهُ وَقَوْلُهُ: وَمَا يُحِدُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُدِيمُونَ، وَفِيهِ طَهَارَةُ النُّخَامَةِ وَالشَّعْرِ الْمُنْفَصِلِ وَالتَّبَرُّكُ بِفَضَلَاتِ الصَّالِحِينَ الطَّاهِرَةِ، وَلَعَلَّ الصَّحَابَةَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِحَضْرَةِ عُرْوَةَ وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ إِشَارَةً مِنْهُمْ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا خَشِيَهُ مِنْ فِرَارِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا بِلِسَانِ الْحَالِ: مَنْ يُحِبُّ إِمَامَهُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ وَيُعَظِّمُهُ هَذَا التَّعْظِيمَ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَفِرُّ عَنْهُ وَيُسَلِّمُهُ لِعَدُوِّهِ؟ بَلْ هُمْ أَشَدُّ اغْتِبَاطًا بِهِ وَبِدِينِهِ وَبِنَصْرِهِ مِنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يُرَاعِي بَعْضُهَا بَعْضًا بِمُجَرَّدِ الرَّحِمِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ التَّوَصُّلِ إِلَى الْمَقْصُودِ بِكُلِّ طَرِيقٍ سَائِغٍ.
قَوْلُهُ: (وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ) هُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا أَعْظَمَ مُلُوكِ ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَفِي مُرْسَلِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ عُرْوَةُ: أَيْ قَوْمِ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْمُلُوكَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ، وَمَا هُوَ بِمَلِكٍ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ الْهَدْيَ مَعْكُوفًا، وَمَا أَرَاكُمْ إِلَّا سَتُصِيبُكُمْ قَارِعَةٌ، فَانْصَرَفَ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ وَفِي