للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.

وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمِهَا فَمَرْدُودٌ، وَقَدْ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: هَذَا الشَّكُّ هُوَ مَا لَا يَسْتَمِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَسْوَسَةِ، كَذَلِكَ قَالَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تَوَقُّفٌ مِنْهُ لِيَقِفَ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْقِصَّةِ وَتَنْكَشِفَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ، وَنَظِيرُهُ قِصَّتُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى لَمْ يُطَابِقِ اجْتِهَادُهُ الْحُكْمَ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ هَذِهِ الْقِصَّةُ، وَإِنَّمَا عَمِلَ الْأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ لِهَذِهِ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ مَا صَدَرَ مِنْهُ كَانَ مَعْذُورًا فِيهِ بَلْ هُوَ مَأْجُورٌ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ الْكِتَابُ أَشْهَدَ عَلَى الصُّلْحِ رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرِجَالًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ.

قَوْلُهُ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْقَضِيَّةِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْهَدْيِ فَسَاقَهُ الْمُسْلِمُونَ - يَعْنِي إِلَى جِهَةِ الْحَرَمِ - حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فَحَبَسُوهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّحْرِ.

قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ) قِيلَ كَأَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ لِلنَّدْبِ، أَوْ لِرَجَاءِ نُزُولِ الْوَحْيِ بِإِبْطَالِ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ، أَوْ تَخْصِيصِهِ بِالْإِذْنِ بِدُخُولِهِمْ مَكَّةَ ذَلِكَ الْعَامَ لِإِتْمَامِ نُسُكِهِمْ، وَسُوِّغَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ زَمَانَ وُقُوعِ النَّسْخِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا أَلْهَتْهُمْ صُورَةُ الْحَالِ فَاسْتَغْرَقُوا فِي الْفِكْرِ لِمَا لَحِقَهُمْ مِنَ الذُّلِّ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ مَعَ ظُهُورِ قُوَّتِهِمْ وَاقْتِدَارِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ عَلَى بُلُوغِ غَرَضِهِمْ وَقَضَاءِ نُسُكِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، أَوْ أَخَّرُوا الِامْتِثَالَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَيُحْتَمَلُ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ لِمَجْمُوعِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ، وَلَا لِمَنْ نَفَاهُ، وَلَا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَا لِلنَّدْبِ، لِمَا يَطْرُقُ الْقِصَّةَ مِنْ الِاحْتِمَالِ.

قَوْلُهُ: (فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ لَهَا: أَلَا تَرَيْنَ إِلَى النَّاسِ؟ إِنِّي آمُرُهُمْ بِالْأَمْرِ فَلَا يَفْعَلُونَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: هَلَكَ الْمُسْلِمُونَ، أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا وَيَنْحَرُوا فَلَمْ يَفْعَلُوا، قَالَ: فَجَلَّى اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِأُمِّ سَلَمَةَ.

قَوْلُهُ: (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْهُمْ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُكَلِّمْهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ دَخَلَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِمَّا أَدْخَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي أَمْرِ الصُّلْحِ وَرُجُوعِهِمْ بِغَيْرِ فَتْحٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا فَهِمَتْ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ احْتَمَلَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ أَخْذًا بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِمْ وَأَنَّهُ هُوَ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْإِحْرَامِ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُمْ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَعَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ صَوَابَ مَا أَشَارَتْ بِهِ فَفَعَلَهُ فَلَمَّا رَأَى الصَّحَابَةُ ذَلِكَ بَادَرُوا إِلَى فِعْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ إِذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ غَايَةٌ تُنْتَظَرُ.

وَفِيهِ فَضْلُ الْمَشُورَةِ، وَأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى الْقَوْلِ كَانَ أَبْلَغَ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ مُطْلَقًا أَبْلَغُ مِنَ الْقَوْلِ، وَجَوَازُ مُشَاوَرَةِ الْمَرْأَةِ الْفَاضِلَةِ، وَفَضْلُ أُمِّ سَلَمَةَ وَوُفُورُ عَقْلِهَا حَتَّى قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا نَعْلَمُ امْرَأَةً أَشَارَتْ بِرَأْيٍ فَأَصَابَتْ إِلَّا أُمَّ سَلَمَةَ. كَذَا قَالَ. وَقَدِ اسْتَدْرَكَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِنْتَ شُعَيْبٍ فِي أَمْرِ مُوسَى. وَنَظِيرُ هَذَا مَا وَقَعَ لَهُمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ مِنْ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا اسْتَمَرُّوا عَلَى الِامْتِنَاعِ تَنَاوَلَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ شَرِبَ شَرِبُوا.

قَوْلُهُ: (نَحَرَ بُدْنَهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هَدْيَهُ زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ سَبْعِينَ بَدَنَةً كَانَ فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ لِيَغِيظَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ غَنِمَهُ مِنْهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.

قَوْلُهُ: (وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي حَلَقَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هُوَ خِرَاشٌ - بِمُعْجَمَتَيْنِ - ابْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ