الصَّحِيحِ ابْنِ جَارِيَةَ بِالْجِيمِ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ سَماء وَنَسَبَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ، وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَيْ بِالْحِلْفِ لِأَنَّ بَنِي زُهْرَةَ مِنْ قُرَيْشٍ.
قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ) سَمَّاهُمَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَصِيرٍ: خُنَيْسٌ وَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ مُصَغَّرٌ ابْنُ جَابِرٍ وَمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ كَوْثَرٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ آخِرَ الْبَابِ أَنَّ الْأَخْنَسَ بْنَ شُرَيْقٍ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَكَتَبَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَالْأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كِتَابًا وَبَعَثَا بِهِ مَعَ مَوْلًى لَهُمَا وَرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْجَرَاهُ بِبَكْرَيْنِ اهـ. وَالْأَخْنَسُ مِنْ ثَقِيفٍ رَهْطِ أَبِي بَصِيرٍ، وَأَزْهَرُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ حُلَفَاءِ أَبِي بَصِيرٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةُ بِرَدِّهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالرَّدِّ تَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ عَشِيرَةِ الْمَطْلُوبِ بِالْأَصَالَةِ أَوِ الْحِلْفِ، وَقِيلَ إِنَّ اسْمَ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ مَرْثَدُ بْنُ حُمْرَانَ، زَادَ الْوَاقِدِيُّ فَقَدِمَا بَعْدَ أَبِي بَصِيرٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
قَوْلُهُ: (فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ صَالَحُونَا عَلَى مَا عَلِمْتَ، وَإِنَّا لَا نَغْدِرُ، فَالْحَقْ بِقَوْمِكَ. فَقَالَ: أَتَرُدُّنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي عَنْ دِينِي وَيُعَذِّبُونَنِي؟ قَالَ: اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ رَجُلٌ وَهُوَ رَجُلٌ وَمَعَكَ السَّيْفُ وَهَذَا أَوْضَحُ فِي التَّعْرِيضِ بِقَتْلِهِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الْمَطْلُوبِ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ عَشِيرَتِهِ إِذَا كَانَ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ ﷺ دَفَعَ أَبَا بَصِيرٍ، لِلْعَامِرِيِّ وَرَفِيقِهِ وَلَمْ يَكُونَا مِنْ عَشِيرَتِهِ وَلَمْ يَكُونَا مِنْ رَهْطِهِ، لَكِنَّهُ أَمِنَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ أَقْوَى مِنْهُمَا، وَلِهَذَا آلَ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَهُمَا وَأَرَادَ قَتْلَ الْآخَرِ.
وَفِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْعَامِرِيَّ وَرَفِيقَهُ إِنَّمَا كَانَا رَسُولَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ فِيهِمَا رِيبَةً لَمَا أَرْسَلَهُمَا مَنْ هُوَ مِنْ عَشِيرَتِهِ. وَأَيْضًا فَقَبِيلَةُ قُرَيْشٍ تَجْمَعُ الْجَمِيعَ لِأَنَّ بَنِي زُهْرَةَ وَبَنِي عَامِرٍ جَمِيعًا مِنْ قُرَيْشٍ وَأَبُو بَصِيرٍ كَانَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي زُهْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ جَاءَ أَبُو بَصِيرٍ مُسْلِمًا وَجَاءَ وَلِيُّهُ خَلْفَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ رُدُّهُ عَلَيَّ فَرَدَّهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ فِيهِ مَجَازًا وَالتَّقْدِيرُ: جَاءَ رَسُولُ وَلِيِّهِ. وَرَسُولٌ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْآخَرَ كَانَ رَفِيقًا لِلرَّسُولِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولًا بِالْأَصَالَةِ.
قَوْلُهُ: (فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ) فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ فَلَمَّا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ دَخَلَ أَبُو بَصِيرٍ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَلَسَ يَتَغَدَّى، وَدَعَاهُمَا فَقَدَّمَ سُفْرَةً لَهُمَا فَأَكَلُوا جَمِيعًا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ لِلْعَامِرِيِّ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ لِخُنَيْسِ بْنِ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ) أَيْ صَاحِبُ السَّيْفِ أَخْرَجَهُ مِنْ غِمْدِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَمْكَنَهُ بِهِ) أَيْ بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ أَيْ خَمَدَتْ حَوَاسُّهُ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ تَسْكُنُ حَرَكَتُهُ، وَأَصْلُ الْبَرَدِ السُّكُونُ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَعَلَاهُ حَتَّى قَتَلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَفَرَّ الْآخَرُ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَخَرَجَ الْمَوْلَى يَشْتَدُّ أَيْ هَرَبًا.
قَوْلُهُ: (ذُعْرًا) أَيْ خَوْفًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَزَعًا.
قَوْلُهُ: (قُتِلَ صَاحِبِي) بِضَمِّ الْقَافِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِي.
قَوْلُهُ: (وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ) أَيْ إِنْ لَمْ تَرُدُّوهُ عَنِّي، وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ وَقَدْ أَفْلَتُّ مِنْهُ وَلَمْ أَكَدْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمَا فَأَوْثَقَاهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَامَا فَتَنَاوَلَ السَّيْفَ بِفِيهِ فَأَمَرَّهُ عَلَى الْإِسَارِ فَقَطَعَهُ وَضَرَبَ أَحَدَهُمَا بِالسَّيْفِ وَطَلَبَ الْآخَرَ فَهَرَبَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ فِي الْمَغَازِي وَجَمَزَ الْآخَرَ وَاتَّبَعَهُ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى دَفَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَصْحَابِهِ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أَسْفَلِ ثَوْبِهِ وَقَدْ بَدَا طَرَفُ ذَكَرِهِ