للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْحَصَى يَطِيرُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ مِنْ شِدَّةِ عَدْوِهِ، وَأَبُو بَصِيرٍ يَتْبَعُهُ.

قَوْلُهُ: (قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ) أَيْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ عِقَابٌ فِيمَا صَنَعْتُ أَنَا، زَادَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ فَتَنُونِي عَنْ دِينِي فَفَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ وَلَا عَقْدٌ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ قَتَلُ مَنْ جَاءَ فِي طَلَبِ رَدِّهِ إِذَا شُرِطَ لَهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أَبِي بَصِيرٍ قَتْلَهُ الْعَامِرِيَّ وَلَا أَمَرَ فِيهِ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَيْلُ امِّهِ) بِضَمِّ اللَّامِ وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهِيَ كَلِمَةُ ذَمٍّ تَقُولُهَا الْعَرَبُ فِي الْمَدْحِ وَلَا يَقْصِدُونَ مَعْنَى مَا فِيهَا مِنَ الذَّمِّ، لِأَنَّ الْوَيْلَ الْهَلَاكُ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ لِأُمِّهِ الْوَيْلُ قَالَ بَدِيعُ الزَّمَانِ فِي رِسَالَةٍ لَهُ: وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ تَرِبَتْ يَمِينُهُ فِي الْأَمْرِ إِذَا أَهَمَّ وَيَقُولُونَ وَيْلُ امِّهِ وَلَا يَقْصِدُونَ الذَّمَّ. وَالْوَيْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَذَابِ وَالْحَرْبِ وَالزَّجْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ وَيْلَكَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُ قَوْلِهِمْ وَيْلُ فُلَانٍ وَيْ لِفُلَانٍ أَيْ فَكَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ فَأَلْحَقُوا بِهَا اللَّامَ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْهَا وَأَعْرَبُوهَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ تَبَعًا لِلْخَلِيلِ: إِنَّ وَيْ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ، وَاللَّامُ بَعْدَهَا مَكْسُورَةٌ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا إِتْبَاعًا لِلْهَمْزَةِ وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (مِسْعَرَ حَرْبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَأَصْلُهُ مِنْ مُسْعِرِ حَرْبٍ، أَيْ يُسْعِرُهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَأَنَّهُ يَصِفُهُ بِالْإِقْدَامِ فِي الْحَرْبِ وَالتَّسْعِيرِ لِنَارِهَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ مِحَشَّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى مِسْعَرٍ، وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي يُحَرَّكُ بِهِ النَّارُ.

قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ) أَيْ يَنْصُرُهُ وَيُعَاضِدُهُ وَيُنَاصِرُهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ فَلُقِّنَهَا أَبُو بَصِيرٍ فَانْطَلَقَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ بِالْفِرَارِ لِئَلَّا يَرُدَّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَرَمَزَ إِلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَلْحَقُوا بِهِ، قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِذَلِكَ لَا التَّصْرِيحُ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ سَاحِلَهُ، وَعَيَّنَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْمَكَانَ فَقَالَ حَتَّى نَزَلَ الْعِيصَ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَالَ: وَكَانَ طَرِيقَ أَهْلِ مَكَّةَ إِذَا قَصَدُوا الشَّامَ. قُلْتُ: وَهُوَ يُحَاذِي الْمَدِينَةَ إِلَى جِهَةِ السَّاحِلِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي سُلَيْمٍ.

قَوْلُهُ: (وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ) أَيْ مِنْ أَبِيهِ وَأَهْلِهِ، وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالصِّيغَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِشَارَةٌ إِلَى إِرَادَةِ مُشَاهَدَةِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مُسْلِمِينَ فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ فَقَطَعُوا مَادَّتَهُمْ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَمَا دُونَهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ بَلَغُوا نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ نَفْسًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ: بَلَغُوا أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ، وَجَزَمَ عُرْوَةُ فِي الْمَغَازِي بِأَنَّهُمْ بَلَغُوا سَبْعِينَ، وَزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُمْ بَلَغُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَزَادَ عُرْوَةُ فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا الْمَدِينَةَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ خَشْيَةَ أَنْ يُعَادُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَسَمَّى الْوَاقِدِيُّ مِنْهُمُ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

قَوْلُهُ: (مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ) أَيْ بِخَبَرِ عِيرٍ بِالْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ قَافِلَةٍ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا) أَيْ وَقَفُوا فِي طَرِيقِهَا بِالْعَرْضِ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ مَنْعِهِمْ لَهَا مِنَ السَّيْرِ.

قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فَأَرْسَلُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْأَلُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ وَمَنْ مَعَهُ وَقَالُوا: وَمَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ غَيْرُ حَرَجٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِمْ) فِي