للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. نَعَمْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ: إِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا وَالْعِيَالُ كَثِيرًا اسْتُحِبَّ لَهُ تَوْفِرَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَالِ كَأَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ وَلَدِهِ أَوْ يَعْهَدَ إِلَيْهِمْ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ أَحَدٌ نَدْبِيَّتَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَعَنْ عَلِيٍّ: سَبْعُمِائَةٍ مَالٌ قَلِيلٌ، وَعَنْهُ ثَمَانُمِائَةٍ مَالٌ قَلِيلٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، وَعَنْ عَائِشَةَ فِيمَنْ تَرَكَ عِيَالًا كَثِيرًا وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ لَيْسَ هَذَا بِمَالٍ كَثِيرٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: ﴿جَنَفًا﴾ مَيْلًا) هُوَ تَفْسِيرُ عَطَاءٍ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ: الْجَنَفُ الْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ وَأَخْرَجَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْجَنَفَ: الْخَطَأُ وَالْإِثْمَ: الْعَمْدُ.

قَوْلُهُ: (مُتَجَانِفٌ: مُتَمَايِلٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ مَائِلٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ: قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ) أَيْ غَيْرَ مُنْعَوِجٍ مَائِلٍ لِلْإِثْمِ، وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ:

أَحَدُهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، وَالْوَصْفُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ، وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ أَيُّوبَ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ: مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَسَّرَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ اهـ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ الْحَدِيثَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ عَوْنٍ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يُتَابَعِ ابْنُ عَوْنٍ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ. قُلْتُ: إِنْ عَنَى عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِهَا فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا كَمَا سَيَأْتِي.

وَإِنْ عَنَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَمَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ذِكْرُ مَنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُهُ: لَهُ مَالٌ أَوْلَى عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَنْ رَوَى لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْمَالِ، كَذَا قَالَ، وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَرِوَايَةُ شَيْءٍ أَشْمَلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ مَا يُتَمَوَّلُ وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ كَالْمُخْتَصَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (يَبِيتُ) كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ، هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ﴾ الْآيَةَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ قَالَ: هِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقَوْلُهُ: يُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ، وَمَفْعُولُ يَبِيتُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ آمِنًا أَوْ ذَاكِرًا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: تَقْدِيرُهُ مَوْعُوكًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَرِيضِ. نَعَمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا يُنْدَبُ أَنْ يَكْتُبَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّرَةِ وَلَا مَا جَرَتِ