للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْعَادَةُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَالْوَفَاءُ لَهُ عَنْ قُرْبٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (لَيْلَتَيْنِ) كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، وَلِمُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا التَّحْدِيدِ، وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَكَأَنَّ الثَّلَاثَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ الْمَذْكُورَةِ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي عِنْدِي. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَانًا مَا، وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ) هُوَ الطَّائِفِيُّ (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) يَعْنِي فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ، وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ هَذِهِ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ - يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَعِمْرَانُ أَخْرَجَ لَهُ النَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ غَرَائِبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا، وَلَفْظُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ فِي آخَرِينَ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَدَاوُدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَآخَرُونَ.

وَنَسَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ إِلَى الْإِجْمَاعِ سِوَى مَنْ شَذَّ، كَذَا قَالَ، وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِّمَ جَمِيعُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَأُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ سَهْمٌ يَنُوبُ عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسَ الْحَدِيثَ.

وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الَّذِي نُسِخَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي النَّسْخَ فِي حَقِّهِ، وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا حَقُّ امْرِئٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَهَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَقُّ لُغَةً الشَّيْءُ الثَّابِتُ، وَيُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ أَيْضًا لَكِنْ بِقِلَّةٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ: فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ عَلَى أَوْ نَحْوُهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوبِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ، بَلِ اقْتَرَنَ هَذَا الْحَقُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ تَفْوِيضُ الْوَصِيَّةِ إِلَى إِرَادَةِ الْمُوصِي حَيْثُ قَالَ: لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا عَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ بِنَفْيِ الْحِلِّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ.

وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فَأَكْثَرُهُمْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنْ طَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ تَجِبُ لِلْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ خَاصَّةً أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ، قَالُوا: فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ لَمْ تَنْفُذْ وَيُرَدُّ الثُّلُثُ كُلُّهُ إِلَى قَرَابَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: ثُلُثَا الثُّلُثِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، وَأَقْوَى مَا يَرِدُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ