أَيْ بِمَنْفَعَتِهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ وَحَبِّسْ أَصْلَهُ.
قَوْلُهُ: (فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا تُبْتَاعُ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ حَبِيسٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ نَافِعٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ إِلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُفْيَانَ الْجَحْدَرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ الْآتِي، وَالْجَحْدَرِيُّ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ صَخْرٍ لَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ السُّبْكِيُّ: اغْتَبَطْتُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ وَحَبِّسْ أَصْلَهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ، قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ، وَهِيَ أَتَمُّ الرِّوَايَاتِ وَأَصْرَحُهَا فِي الْمَقْصُودِ فَعَزْوُهَا إِلَى الْبُخَارِيِّ أَوْلَى، وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُزَارَعَةِ بِلَفْظِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَرَ: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، وَلَكِنْ لِيُنْفَقْ ثَمَرُهُ.
فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَحَكَيْتُ هُنَاكَ أَنَّ الدَّاوُدِيَّ الشَّارِحَ أَنْكَرَ هَذَا اللَّفْظَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي إِذْ ذَاكَ سَبَبُ إِنْكَارِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِسَبَبِ التَّصْرِيحِ بِرَفْعِ الشَّرْطِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، عَلَى أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ فَمَا فَعَلَهُ إِلَّا لِمَا فَهِمَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ حَيْثُ قَالَ لَهُ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا وَقَوْلُهُ: تَصَدَّقْ صِيغَةُ أَمْرٍ، وَقَوْلُهُ: فَتَصَدَّقَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي.
قَوْلُهُ: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ (١)) جَمِيعُ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ إِلَّا الضَّيْفَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَنْ ذُكِرَ فِي الْخَمْسِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمْ قُرْبَى الْوَاقِفِ، وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، وَالضَّيْفُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ يُرِيدُ الْقِرَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْهِبَةِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ) تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ أَبْوَابٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ الْوَقْفِ، حَتَّى لَوِ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ يُسْتَقْبَحُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ الْقَدْرُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَقِيلَ الْقَدْرُ الَّذِي يَدْفَعُ بِهِ الشَّهْوَةَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُطْعِمَ) فِي رِوَايَةِ صَخْرٍ أَوْ يُؤْكِلَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ، وَهِيَ بِمَعْنَى يُطْعِمُ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ)، وَفِي رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَاضِيَةِ فِي آخِرِ الشُرُوطِ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ وَالْمَعْنَى غَيْرُ مُتَّخِذٍ مِنْهَا مَالًا أَيْ مِلْكًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ شَيْئًا مِنْ رِقَابِهَا، وَمَالًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَزَادَ الْأَنْصَارِيُّ وَسُلَيْمٌ قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا، وَالْقَائِلُ فَحَدَّثْتُ بِهِ هُوَ ابْنُ عَوْنٍ رَاوِيهِ عَنْ نَافِعٍ، بَيَّنَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: ذَكَرْتُ حَدِيثَ نَافِعٍ، لِابْنِ سِيرِينَ فَذَكَرَهُ، زَادَ سُلَيْمٌ: قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ أَنَّ فِيهِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ: أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي قِطْعَةِ أَدِيمٍ أَحْمَرَ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: وَأَنَا قَرَأْتُهَا عِنْدَ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَذَلِكَ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ صِفَةَ كِتَابِ وَقْفِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: نَسَخَهَا لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ وَفِيهِ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ، وَالْمُتَأَثِّلُ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ هُوَ الْمُتَّخِذُ، وَالتَّأَثُّلُ اتِّخَاذُ أَصْلِ
(١) في هامش طبعة بولاق: كذا في نسخ الشارح، وهو مخالف في الترتيب لما وقع لنا من نسخ البخاري
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute