عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ، وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَحَفَرْتُهَا؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَجَهَّزْتُهُ؟ قَالَ فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَقَدْ يَلِيهِ الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ، فَهُوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا وَقَفَ أَرْضًا أَوْ بِئْرًا، أَوِ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِمَنْ يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ مِنْ وَقْفِهِ مَنْفَعَةً، وَقَدْ قَيَّدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْجَوَازَ بِمَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ عَامَّةً كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَوَقَفَ أَنَسٌ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ (دَارًا، فَكَانَ إِذَا قَدِمَ نَزَلَهَا). وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَنْصَارِيِّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ وَقَفَ دَارًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ إِذَا حَجَّ مَرَّ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ دَارَهُ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الدَّارَ، وَيَسْتَثْنِيَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا بَيْتًا.
قَوْلُهُ: (وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بِدُورِهِ وَقَالَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا، فَإِنِ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ) وَصَلَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ جَعَلَ دُورَهُ صَدَقَةً عَلَى بَنِيهِ، لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ، وَأَنَّ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ نِسَائِهِ، وَصَوَّبَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَوَهَمَ؛ فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِخِلَافِهَا، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا بِكَسْرِ الضَّادِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) وَصَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ: أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِدَارِهِ مَحْبُوسَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدَانُ … إِلَخْ) كَذَا لِلْجَمِيعِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدَانَ بِلَا رِوَايَةٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَبْدَانَ بِتَمَامِهِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ السَّبِيعِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ السُّلَمَيُّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُثْمَانُ وَالِدُ عَبْدَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ؛ فَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْهُ كَهَذِهِ الرِّوَايَةِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَتَابَعَهُ أَبُو قَطَنٍ، عَنْ يُونُسَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. قُلْتُ: وَتَفَرُّدُ عُثْمَانَ وَالِدِ عَبْدَانَ لَا يَضُرُّهُ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَاتِّفَاقُ شُعْبَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ هَكَذَا أَرْجَحُ مِنِ انْفِرَادِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، إِلَّا أَنَّ آلَ الرَّجُلِ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَيَتَعَارَضُ التَّرْجِيحُ فَلَعَلَّ لِأَبِي إِسْحَاقَ فِيهِ إِسْنَادَيْنِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ عُثْمَانَ) أَيِ ابْنَ عَفَّانَ.
قَوْلُهُ: (حَيْثُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ (حِينَ حُوصِرَ) أَيْ لَمَّا حَاصَرَهُ الْمِصْرِيُّونَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ تَوْلِيَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ فِي دَارِهِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ قَامَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ. الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ) فِي رِوَايَةِ الْأَحْنَفِ، عَنِ النَّسَائِيِّ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ، عَنْ عُثْمَانَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ.
قَوْلُهُ: (مَنْ حَفَرَ رُومَةَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَاهَا لَا أَنَّهُ حَفَرَهَا. قُلْتُ: هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ فِيهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يُشْرَبُ مِنْ مَائِهَا إِلَّا بِثَمَنٍ. لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الْوَهَمُ؛ فَقَدْ رَوَى الْبَغَوِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ اسْتَنْكَرُوا الْمَاءَ وَكَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: رُومَةَ، وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ