بِمُدٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ تَبِيعُنِيهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي وَلَا لِعِيَالِي غَيْرُهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ ﵁ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: أَتَجْعَلُ لِي فِيهَا مَا جَعَلْتَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ جَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلًا عَيْنًا فَلَا مَانِعَ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا عُثْمَانُ بِئْرًا، وَلَعَلَّ الْعَيْنَ كَانَتْ تَجْرِي إِلَى بِئْرٍ فَوَسَّعَهَا وَطَوَاهَا فَنُسِبَ حَفْرُهَا إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ) فِي رِوَايَةِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ: احْضُرُوا غَدًا، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، أَخْرَجَهُ سِيفٌ فِي الْفُتُوحِ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ بِذَلِكَ هُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، أَيْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حِرَاءً حِينَ انْتَفَضَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اثْبُتْ حِرَاءُ، فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَسَيَأْتِي هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي رِوَايَةِ زَيْدٍ أَيْضًا ذِكْرُ رُومَةَ: لَمْ يَكُنْ يُشْرَبُ مِنْهَا إِلَّا بِثَمَنٍ، فَابْتَعْتُهَا فَجَعَلْتُهَا لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَزَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَحْنَفِ، عَنْ عُثْمَانَ. فَقَالَ: اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ. وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا: وَأَشْيَاءَ عَدَّدَهَا فَمِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْمَذْكُورَةِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا، وَنَحْوُهُ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ فِي قِصَّةِ مَقْتَلِهِ مُطَوَّلًا، وَزَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَزَادَ فِي ذِكْرِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى لَمْ يَفْقِدُوا عِقَالًا وَلَا خِطَامًا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبَّابٍ السُّلَمَيِّ أَنَّهُ جَهَّزَهُمْ بِثَلَاثِمِائَةِ بَعِيرٍ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّهُ جَاءَ بِأَلِفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ ﷺ: مَا عَلَى عُثْمَانَ مِنْ عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ. وَأَخْرَجَ أَسَدُ بْنُ مُوسَى فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ حَمَلَ عُثْمَانُ عَلَى أَلْفِ بَعِيرٍ وَسَبْعِينَ فَرَسًا فِي الْعُسْرَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ فَجَاءَ عُثْمَانُ بِسَبْعِمِائَةِ أُوقِيَّةِ ذَهَبٍ، وَعِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَعَانَ عُثْمَانَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَجَاءَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَتُوَافِقُ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مِنْ صَرْفِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَمِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ يَقُولُ: هَذِهِ يَدُ اللَّهِ وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ ثُمَامَةَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ زَوَّجَنِي ابْنَتَيْهِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى رَضِيَ بِي وَرَضِيَ عَنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ. قَالَ: أَشْرَفَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا طَلْحَةُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ، أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: هَذَا جَلِيسِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلِلْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ: أَنَّ عُثْمَانَ حِينَ حُصِرَ قَالَ لِطَلْحَةَ: أَتَذْكُرُ إِذْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ عُثْمَانَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَنَاقِبُ ظَاهِرَةٌ لِعُثْمَانَ ﵁، وَفِيهَا جَوَازُ تَحَدُّثِ الرَّجُلِ بِمَنَاقِبِهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ أَوْ تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُفَاخَرَةِ وَالْمُكَاثَرَةِ وَالْعُجْبِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ): تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute