الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ، وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا: ﴿لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ، قَالَ الزَّجَّاجُ فِي الْمَعَانِي: هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ أَشْكَلِ مَا فِي الْقُرْآنِ إِعْرَابًا وَحُكْمًا وَمَعْنًى.
قَوْلُهُ: ﴿الأَوْلَيَانِ﴾ وَاحَدُهُمَا أَوْلَى، وَمِنْهُ أَوْلَى بِهِ) أَيْ: أَحَقُّ بِهِ، وَوَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، لِأَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ، وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ، وَالْمَعْنَى وَآخَرَانِ أَيْ شَاهِدَانِ آخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ: أَيْ مِنَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَعَشِيرَتُهُ، وَالْأَوْلَيَانِ أَيِ الْأَحَقَّانِ بِالشَّهَادَةِ لِقَرَابَتِهِمَا وَمَعْرِفَتِهِمَا، وَارْتَفَعَ الْأَوْلَيَانِ بِتَقْدِيرِ هُمَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَنِ الشَّاهِدَانِ؟ فَأُجِيبَ الْأَوْلَيَانِ، أَوْ هُمَا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَقُومَانِ أَوْ مِنْ آخَرَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَا بِاسْتَحَقَّ أَيْ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ انْتِدَابُ الْأَوْلَيَيْنِ مِنْهُمْ لِلشَّهَادَةِ لِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ أَصْعَبِ مَا فِي الْقُرْآنِ إِعْرَابًا، قَالَ الشِّهَابُ السَّمِينُ: وَلَقَدْ صَدَقَ وَاللَّهِ فِيمَا قَالَ. ثُمَّ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَخَتَمَهُ بِأَنْ قَالَ: وَقَدْ جَمَعَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا قُلْتُهُ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ فَقَالَ - فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ - فَلِذَلِكَ اقْتَصَرْتُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: ﴿عُثِرَ﴾ ظَهَرَ، أَعَثَرْنَا: أَظْهَرْنَا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ أَيْ: فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ إِنِ اطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَةٍ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ أَعَثَرْنَا فَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلُهُ ﴿أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ أَظْهَرْنَا وَاطَّلَعْنَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ أَيِ اطُّلِعَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ: وَقَالَ عَلِيٌّ بِحَذْفِ الْمُحَاوَرَةِ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي مَا قَرَّرْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ لِي فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَمِعَهَا، لَكِنْ حَيْثُ يَكُونُ فِي إِسْنَادِهَا عِنْدَهُ نَظَرٌ أَوْ حَيْثُ تَكُونُ مَوْقُوفَةً، وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا فِيمَا أَخَذَهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ أَوْ بِالْمُنَاوَلَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
قَوْلُهُ: (ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ) هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ يُقَالُ لَهُ: الطَّوِيلُ، وَلَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ مَعَ كَوْنِهِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ هَذَا هُنَا، فَرَوَى النَّسَفِيُّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: لَا أَعْرِفُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ هَذَا كَمَا يَنْبَغِي. وَفِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ: كَمَا أَشْتَهِي. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو أُسَامَةَ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيِّ - اسْتَحْسَنَهُ. وَزَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ أَنَّ الْفَرَبْرِيَّ قَالَ: قُلْتُ لِلْبُخَارِيِّ رَوَاهُ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ؟ قَالَ: لَا. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو أُسَامَةَ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَرَوَى عُمَرُ الْبُجَيْرِيُّ - بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ مُصَغَّرًا - عَنِ الْبُخَارِيِّ نَحْوَ هَذَا وَزَادَ: قِيلَ لَهُ رَوَاهُ - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ - غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ؟ فَقَالَ: لَا، وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ. قُلْتُ: وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا لِشَيْخِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ مَا بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ كُوفِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ) هُوَ بُزَيْلٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَزَايٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute