للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْفَضْلِ مِنْهُ ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنِ اللَّهِ بِتَفْضِيلِهِ بِالثَّوَابِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَطْمَئِنُّ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَقَوْلُهُ لَا يُخْرِجِهُ إِلَّا الْجِهَادُ نَصٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ خُلُوصِ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ بَعْدَ أَحَدَ عَشَرَ بَابًا، وَقَوْلُهُ فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَيْ مَضْمُونٌ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ذُو ضَمَانٍ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) أَيْ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ إِنْ تَوَفَّاهُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ أَنْ تَوَفَّاهُ بِالشَّرْطِيَّةِ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ أَوْضَحُ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) أَيْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، أَوِ الْمُرَادُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ سَاعَةَ مَوْتِهِ، كَمَا وَرَدَ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنْ قَالَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشَّهِيدِ وَالرَّاجِعِ سَالِمًا لِأَنَّ حُصُولَ الْأَجْرِ يَسْتَلْزِمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ دُخُولٌ خَاصٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يَرْجِعَهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ عَلَى يَتَوَفَّاهُ.

قَوْلُهُ: (مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) أَيْ مَعَ أَجْرٍ خَالِصٍ إِنْ لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا أَوْ مَعَ غَنِيمَةٍ خَالِصَةٍ مَعَهَا أَجْرٌ، وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنِ الْأَجْرِ الثَّانِي الَّذِي مَعَ الْغَنِيمَةِ لِنَقْصِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجْرِ الَّذِي بِلَا غَنِيمَةٍ، وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا غَنِمَ لَا يَحْصُلُ لَهُ أَجْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا بَلِ الْمُرَادُ أَوْ غَنِيمَةٍ مَعَهَا أَجْرٌ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ، لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْغَنِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَتَمُّ أَجْرًا عِنْدَ وُجُودِهَا، فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْحِرْمَانِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي نَفْيِ الْجَمْعِ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُجَاهِدَ إِمَّا يُسْتَشْهَدُ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ مَعَ إِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَهِيَ قَضِيَّةٌ مَانِعَةٌ الْخُلُوَّ لَا الْجَمْعَ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ: إِنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهَا التُّورِبِشْتِيُّ، وَالتَّقْدِيرُ بِأَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ. وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ كَذَلِكَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَدْ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَقَالُوا: أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ بِصِيغَةِ أَوْ، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ أَوْ غَنِيمَةٍ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ فَوَقَعَ فِيهِ بِلَفْظٍ وَغَنِيمَةٍ وَرِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ فِيهَا مَقَالٌ.

وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْوَاوِ أَيْضًا وَكَذَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظٍ: بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَحْفُوظَةً تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَوْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ نُحَاةِ الْكُوفِيِّينَ، لَكِنْ فِيهِ إِشْكَالٌ صَعْبٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ وَقَعَ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْغُزَاةِ يَرْجِعُ بِغَيْرِ غَنِيمَةٍ، فَمَا فَرَّ مِنْهُ الَّذِي ادَّعَى أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقَعَ فِي نَظِيرِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهَا أَنَّ مَنْ رَجَعَ بِغَنِيمَةٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ، كَمَا يَلْزَمُ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَنَّ كُلَّ غَازٍ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ، فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الَّذِي يَغْنَمُ يَرْجِعُ بِأَجْرٍ لَكِنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ، فَتَكُونُ الْغَنِيمَةُ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْرِ الْغَزْوِ، فَإِذَا قُوبِلَ أَجْرُ الْغَانِمِ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَتُّعِهِ بِأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ كَانَ أَجْرُ مَنْ غَنِمَ دُونَ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خَبَّابٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ

الْآتِي فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا الْحَدِيثَ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ نَقْصَ ثَوَابِ الْمُجَاهِدِ بِأَخْذِهِ الْغَنِيمَةَ،