للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَّفَ، وَإِنَّمَا طَلَبَتْ شَيْئًا مَخْصُوصًا، فَأَمَّا خَيْبَرُ فَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ وَسَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَهْلِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفُهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ، وَنِصْفُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَرَوَاهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، لَيْسَ فِيهِ سَهْلٌ.

وَأَمَّا فَدَكُ - وَهِيَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا كَافٌ -: بَلَدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا مَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ أَهْلَ فَدَكَ كَانُوا مِنْ يَهُودَ، فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أَرْسَلَ أَهْلُ فَدَكَ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْبَلَدَ وَيَرْحَلُوا، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا: بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَفَعَلَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً، وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: صَالَحَ النَّبِيُّ أَهْلَ فَدَكَ وَقُرًى سَمَّاهَا وَهُوَ يُحَاصِرُ قَوْمًا آخَرِينَ، يَعْنِي بَقِيَّةَ أَهْلِ خَيْبَرَ.

وَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فَذَكَرَ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَتْ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً، أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ الْآيَةَ قَالَ: فَأَعْطَى أَكْثَرَهَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ، وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ صَدَقَةُ النَّبِيِّ بِالْمَدِينَةِ أَمْوَالًا لِمُخَيْرِيقٍ - بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مُصَغَّرٌ، وَكَانَ يَهُودِيًّا مِنْ بَقَايَا بَنِي قَيْنُقَاعَ نَازِلًا بِبَنِي النَّضِيرِ - فَشَهِدَ أُحُدًا فَقُتِلَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : مُخَيْرِيقٌ سَابِقُ يَهُودَ، وَأَوْصَى مُخَيْرِيقٌ بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ ، وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ مُخَيْرِيقٌ: إِنْ أُصِبْتُ فَأَمْوَالِي لِمُحَمَّدٍ يَضَعُهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ، فَهِيَ عَامَّةُ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ . قَالَ: وَكَانَتْ أَمْوَالُ مُخَيْرِيقٍ فِي بَنِي النَّضِيرِ، وَعَلَى هَذِهِ فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، شَمِلَ جَمِيعَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ فِي الْمَنَاقِبِ: وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَهَذَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ سَهْمَ النَّبِيِّ يَصْرِفُهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِمَنْ كَانَ النَّبِيُّ يَصْرِفُهُ لَهُ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَفِي وَجْهٍ: هُوَ لِلْإِمَامِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ: يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يُصْرَفُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يُرَدُّ إِلَى الْأَرْبَعَةِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْقَوْلِ مَنْ يُوجِبُ قَسْمَ الزَّكَاةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، فَإِنْ فُقِدَ صِنْفٌ رُدَّ عَلَى الْبَاقِينَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُرَدُّ مَعَ سَهْمِ ذَوِيِ الْقُرْبَى إِلَى الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ: يُرَدُّ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَى الْغَانِمِينَ، وَمِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْمَصَالِحِ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَّا صَدَقَتُهُ) أَيْ: صَدَقَةُ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ) سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا خَيْبَرُ) أَيْ: الَّذِي كَانَ يَخُصُّ النَّبِيَّ مِنْهَا (وَفَدَكَ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ) أَيْ: لَمْ يَدْفَعْهَا لِغَيْرِهِ، وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ. وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَدَقَةَ النَّبِيِّ تَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَمَّا سَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، فَكَانَ حُكْمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ نِسَاءِ النَّبِيِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا كَانَ يَصْرِفُهُ فَيَصْرِفُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ لِمَقْلِهِ فِي الْمَصَالِحِ. وَعَمِلَ عُمَرُ بَعْدَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ تَصَرَّفَ فِي فَدَكَ بِحَسَبِ