للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَا رَآهُ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: جَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَنِي مَرْوَانَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُنْفِقُ مِنْ فَدَكَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ أَيِّمَهُمْ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى، وَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، ثُمَّ أُقْطِعَهَا مَرْوَانُ يَعْنِي فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَقْطَعَ عُثْمَانُ فَدَكَ لِمَرْوَانَ؛ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ يَكُونُ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ، فَاسْتَغْنَى عُثْمَانُ عَنْهَا بِأَمْوَالِهِ، فَوَصَلَ بِهَا بَعْضَ قَرَابَتِهِ، وَيَشْهَدُ لِصَنِيعِ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعُ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظِ: مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ.

فَقَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قَامَ لَهُمَا، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ: لَا نُورَثُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ) هُوَ كَلَامُ الزُّهْرِيِّ، أَيْ: حِينَ حَدَّثَ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ: الْمُصَنِّفُ (اعْتَرَاكَ: افْتَعَلْتَ) كَذَا فِيهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ افْتَعَلَكَ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمَجَازِ لِأَبِي عُبَيْدَةَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ عَرَوْتُهُ فَأَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ: يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي، أَرَادَ بِذَلِكَ شَرْحَ قَوْلِهِ: يَعْرُوهُ وَبَيَّنَ تَصَارِيفَهُ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِصَابَةُ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ، وَأَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ وَهَذِهِ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ يُفَسِّرُ اللَّفْظَةَ الْغَرِيبَةَ مِنَ الْحَدِيثِ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظَةِ الْغَرِيبَةِ مِنَ الْقُرْآنِ.

قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ؛ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ.

قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ: - قَدِيرٌ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا - يُرِيدُ عَلِيًّا - يُرِيدُ نَصِيبَ

امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ؛ فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيٍّ، وَقَعَ قَبْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ قِصَّةُ فَدَكَ، وَكَأَنَّهَا تَرْجَمَةٌ لِحَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ أَمْرَ فَدَكٍ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ) هُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ قِتَالِ الْيَهُودِ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شَبُّوَيْهِ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَرَوِيُّ وَهُوَ مَقْلُوبٌ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ مِثْلَهُ، قَالَ: وَهُوَ وَهْمٌ. قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ. وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ، مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهِيَ تَشَابُهُ الطَّرَفَيْنِ، مِثَالُهُ مَا وَقَعَ هُنَا: ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْهُ مَالِكٌ، الْأَعْلَى ابْنُ أَوْسٍ، وَالْأَدْنَى ابْنُ أَنَسٍ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ) أَيْ: ابْنُ مُطْعِمٍ (قَدْ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ) أَيْ: الْآتِي ذِكْرُهُ.

قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ) كَذَا فِيهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْمَاضِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهِيَ مُبَالَغَةٌ لِإِرَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ أَدْخُلَ عَلَى أَنَّ حَتَّى عَاطِفَةً، أَيِ: انْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّ حَتَّى بِمَعْنَى إِلَى أَنْ.

قَوْلُهُ: (مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ) ابْنِ الْحَدَثَانِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ نَصْرِيٌّ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ، وَأَمَّا هُوَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ مُصْعَبٍ - أَوْ غَيْرِهِ - أَنَّهُ رَكِبَ الْخَيْلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا لَعَلَّهُ لَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ، كَمَا وَقَعَ لِقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ؛ دَخَلَ أَبُوهُ وَصَحِبَ، وَتَأَخَّرَ هُوَ مَعَ إِمْكَانِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَشَارَكَ أَيْضًا فِي أَنَّهُ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِنَّهُ أَخَذَ عَنِ الْعَشَرَةِ. وَلَيْسَ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي الْبُيُوعِ، وَفِي صَنِيعِ ابْنِ شِهَابٍ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَنِعْ بِالْحَدِيثِ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ لِيُشَافِهَهُ بِهِ، وَفِيهِ حِرْصُ ابْنِ شِهَابٍ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ وَتَحْصِيلِهِ.

(تَنْبِيهٌ):

ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الزُّهْرِيَّ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ: أَنْكَرَهُ قَوْمٌ، وَقَالُوا: هَذَا مِنْ مُسْتَنْكَرِ مَا رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: فَإِنْ كَانُوا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْدٍ فَهَيْهَاتَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَهُوَ جَهْلٌ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ: (حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، أَيْ: عَلَا وَامْتَدَّ، وَقِيلَ: هُوَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ مَالِكٍ: